Home / Articles/Books / Articles / ملاحظات على وعظة-إساءة غبطة الكاردينال مار لويس ساكو (ج2)

ملاحظات على وعظة-إساءة غبطة الكاردينال مار لويس ساكو (ج2)

ملاحظات على وعظة-إساءة غبطة الكاردينال مار لويس ساكو (ج2)

6- من الجلي ان خلفية الاحداث التي ادت بغبطته الى هذه الوعظة-الاساءة هي مسالة ادارية هيكلية داخلية ما بين الكنيسة الكلدانية ممثلة بمجمعها السنهاديقي المقدس الذي يتراسه غبطته وبين مرجعية الكنيسة الكلدانية التي هي الكنيسة الكاثوليكية الرومانية.

وفي هذه المسالة تحديدا فان الجزئية في هذه العلاقة غير المتوازنة (كما يبدو من كلام غبطته) بين الكنيسة الكلدانية والفاتيكان هي موضوعة “تجديد” الطقوس الكنسية، وعلى ما يبدو (ايضا من كلام غبطته) من حيث النصوص وكذلك اللغة او التعريب.

اقول برأي متواضع ومن وجهة نظر انسان مراقب للحدث وليس جزءا منه:

  • لا اجد سببا او داعيا لجلب الموضوعة الخلافية هذه الى الراي العام والمشاهدين والمتابعين من كل الاديان والكنائس الذين سمعوا الوعظة وهي تنقل مباشرة عبر العالم على السوشيال ميديا ومن على المذبح المقدس في خدمة القربان المقدس.
  • اليس الاداء المؤسساتي المهني والحريص والمسؤول يفترض ان تتم مناقشة المسالة داخليا ضمن المجمع السنهاديقي الكلداني او المؤسسات البطريركية المختصة والتواصل والتحاور بشأنها مع المجمع الشرقي (المرجعية الرومانية العليا للكنيسة الكلدانية في هذا الخصوص)؟
  • ما هي الاضافة النوعية التي اضافها طرح موضوع رسالة المجمع الشرقي الى الكنيسة الكلدانية بشأن تجديد الطقوس المقترح من الكنيسة الكلدانية (لم يذكر غبطته ان كانت رفضا او مقترحات او ملاحظات) على الراي العام وفي الفضاء المفتوح؟

هل سيساهم ذلك في التوافق بين الكنيسة الكلدانية والمجمع الشرقي بهذا الشان؟ وما جدوى جعل المسالة قضية رأي عام؟

  • يقول غبطته ان الفاتيكان ومؤسساته (في هذه الحالة المجمع الشرقي) ليسوا أوصياء على الكنيسة الكلدانية.

حسنا، هذه أيضا مسالة هيكلية ادارية (صلاحيات وحقوق كل طرف) ضمن العلاقة بين الكنيسة الكلدانية والفاتيكان. ولكن بجعلها قضية رأي عام فهناك اسئلة تفرض نفسها في نقاش هذا الموضوع الذي جعله غبطته نقاشا مفتوحا من خلال تناوله في وعظة منقولة على الهواء:

إن لم يكونوا أوصياء، فلماذا يتوجب على الكنيسة الكلدانية، من الأساس، طلب موافقة وإقرار الفاتيكان لما يجده المجمع السنهاديقي الكلداني مناسبا للكنيسة الكلدانية؟

ما هو سقف صلاحيات المجمع السنهاديقي الكلداني في العديد من المواضيع والشؤون الكنسية ومن بينها اختيار الاساقفة؟

واسئلة اخرى مماثلة اترك الاجابة عليها الى آباءي الأجلاء من الأساقفة واخواني الكهنة الكلدان وأحبتي مؤمني الكنيسة الكلدانية المقدسة.

  • من هنا فان “صراع” و”قضية” غبطته ليست مع كنيسة المشرق الآشورية بل هي مع موقعه وصلاحياته وتوازن علاقته مع مرجعيته الفاتيكانية.

لذلك ليس مفهوما او مبررا حشر كنيسة المشرق الاشورية سلبيا في هذه القضية.

لقد كان موقفا حكيما ومسؤولا (لا ادري هل هو توصية او تمني) موقف المجمع الشرقي عندما راعى (لا اقول حشر) كنيسة المشرق الاشورية لتؤخذ في الاعتبار عند مراجعة الطقوس.

فمن ناحية تنسجم هذه المراعاة وتدعم الحوار المسكوني المستمر والمثمر بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وبين كنيسة المشرق الاشورية ككنيستين شقيقتين متساويتين في الشخصية المعنوية والكرامات الكنسية والجذور الرسولية بغض النظر عن الأحجام والامكانات المادية.

الفاتيكان، بهذه المراعاة، اثبت انه اكثر حرصا من غبطته على تعزيز أجواء الإخوة والمحبة والاحترام والتشارك بين الكنائس المشرقية الشقيقة، خاصة وجميعها تواجه تحديات وجودية ومصيرية في الاوطان الأم حتى كادت هذه الاوطان ان تتحول متاحفا للكنائس المشرقية العريقة والاصيلة.

ومن ناحية اخرى هو اثبات ان فاتيكان اليوم ليس فاتيكان الارساليات “التبشيرية” الكاثوليكية التي احرقت حينها وابادت، بقدر استطاعتها، التراث الغني والهوية المشرقية الاصيلة لكنيسة المشرق.

ففاتيكان اليوم من خلال الكثير من المواقف، وبينها موقف موضوع الحوار، بدا اكثر حرصا على هذا التراث والهوية من غبطة البطريرك الكلداني.

  • ربما اكون مخطئا، وان كنت فاعتذر سلفا، ولكني لا اعتقد ان غبطته ليس مدركا للملاحظات اعلاه، وبخاصة النقطة الاخيرة وتحديدا افاق الحوار المسكوني بين الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وكنيسة المشرق الاشورية.

اعتقد ان غبطته يدرك ذلك ولكنه لا يريد لهذا الحوار النجاح ويسعى، بدراية، الى تازيم العلاقة مع كنيسة المشرق الاشورية وابناءها بين فترة واخرى باثارة امور مختلفة هنا وهناك. فلماذا؟

برايي المتواضع، الذي يتحمل النقاش والخطأ والصواب، فان غبطته منزعج (استخدم مفردة يستخدمها غبطته) من ان الكنيستين، الكاثوليكية الرومانية والمشرق الاشورية، تتحاوران ككنائس رسولية مستقلة ومتكافئة بالشخصية المعنوية والكرامات الكنسية. وان حوار كنيسة المشرق لا يتم مع الكنيسة الكلدانية بل مع مرجعيتها الكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وان الحوار يؤسس لعلاقة تحفظ وتصون استقلالية الكنيسة المشرقية وشخصيتها المعنوية بخلاف العلاقة القائمة بين الكنيسة الكلدانية ومرجعيتها الكاثوليكية والتي يصفها غبطته وبكلماته على انها علاقة: وصاية.

ويجدر بالذكر هنا ان هذا الحوار انطلق مع الكنيسة الكاثوليكية في عهد بطريركية المثلث الرحمات الراحل مار بيداويذ الذي كان رجل محبة ووحدة لا رجل سلطة، وبذلك كان داعما ومشجعا للحوار ولم ينزعج لعدم مروره من خلال الكنيسة الكلدانية.

7- احدى النقاط التي اثارها غبطته في الوعظة-الاساءة هي ان التجديد ( وربما الغاء بعض النصوص كالتي شبهها بحديقة الحيوانات) هي بغاية تقصير وقت القداس.

بغض النظر عن التفاصيل، شخصيا اتفق مع غبطته في ضرورة مراعاة تبدل الظروف والبيئة المجتمعية والاقتصادية وجدول الحياة اليومية للمؤمنين والتزاماتهم، مما يفرض على الكنائس اخذ ذلك بعين الاعتبار في مراجعة الطقوس المعتمدة او ممارستها العملية.

ولكن هذا ليس جديدا.. وليس محصورا بالكنيسة الكلدانية.. وليس محصورا بطقس القداس..

فبحسب يقيني عن كنيسة المشرق، كوني من اكليروسها، وبحسب اطلاعي ومعرفتي عن بقية الكنائس فانها جميعا وبدون استثناء اخذت وتاخذ بعين الاعتبار هذه النقطة في مختلف طقوسها: صلوات الرمش والليل والفجر، القداس، العماذ، التكليل، تجنيز الراحلين، الرسامات، الخ..

واعتمدت لذلك طريقتين، فاما تعليمات رسمية بتقصير او حذف بعض النصوص، او اعطاء الصلاحية “الميدانية” للاكليروس ليقوم بما يجده مناسبا.

اتفق مع غبطته في هذه النقطة، ولكني لا اجد فيها مدخلا او مبررا للاساءة التي توجه بها غبطته الى الكتاب المقدس اولا، والى القربان المقدس والطقوس الكنسية.

8- وفي هذا السياق اتفق مع غبطته في مراجعة النصوص الطقسية وتنقيحها بما يتوافق مع بيئة العصر ولتكون مفهومة ومقبولة لدى الاجيال المعاصرة والقادمة من ابناء الكنيسة.

فعلى سبيل المثال:

  • ليس من شان النصوص الطقسية الكنسية ان تتحدث عن العناصر المكونة للطبيعة وعلى انها اربعة: الماء والهواء والتراب والنار.
  • الطلبات في الصلاة بشان امراض او احتياجات لم نعد نواجهها اليوم في حين نواجه غيرها ونحتاج للتضرع من اجلها في طلباتنا.
  • نصوص مناقضة تماما للانجيل والروح المسيحية. ففي حين يقول الرب: احبوا اعدائكم. فان احد مقاطع بركة التكليل تقول: تنتصر على اعداءك ويكونوا ترابا تحت اقدامك.
  • نصوص مسيئة الى الكنائس الاخرى وملافنتها وعقائدها. وفي هذه النقطة تحديدا فان كنيسة المشرق الاشورية وفي مجمعها المقدس عام 1994 رفعت هذه النصوص، ونتمنى ان تحذو حذوها بقية الكنائس.
  • نصوص مسيئة الى اديان اخرى، وتحديدا اليهودية والشعب اليهودي حتى يمكن القول وبصراحة تامة ان الكثير من نصوص صلوات كنائسنا المشرقية هي نصوص معادية للسامية.

ولست اعلن سرا، ان كنيسة المشرق الاشورية وضمن اعمال لجنتها الادبية المعنية بمراجعة واعادة طبع الكتب الطقسية قد اخذت بعين الاعتبار هذه المسالة في النسخة الجديدة للخوذرا والتي صادق عليها قداسة البطريرك الراحل مار دنخا الرابع وهي شبه جاهزة للطبع قريبا انشاء الله.

وهو عمل استغرق ما يقارب العشر سنوات من العمل المضني ومقارنات بالمخطوطات ودراسة الهيكلية البنيوية الطقسية وغيرها.

ويشرفني اني كنت بضعفي مسؤولا عن العملية تحت اشراف غبطة المتروفوليت مار ميلس زيا الكلي الطوبى.

الجدير بالذكر هنا، حيث ان الشيء بالشيء يذكر، فان المراجعة واعادة هيكلة الصلوات الطقسية للخوذرا التزمت الابقاء على الهوية المشرقية في المحافظة على هيكلية الطقس ونصوصه وروحانيته، بل واعادت ما لم يتم مراعاته بهذا المجال، بسبب الوقت او ظروف العمل وتقنياته حينها، في الطبعة الحالية للخوذرا المطبوعة في الهند عام 1961 من قبل غبطة المتروفوليت حينها (البطريرك لاحقا) المثلث الرحمات مار توما درمو.

وهذا بعكس التنقيح الذي جرى في الطبعة الكلدانية للخوذرا حيث تم تغيير النصوص التي وضعها ملافنة الكنيسة ومعلميها وادباءها الراحلين قبل قرون طويلة وجعلها تتوافق مع اللاهوت الروماني الغربي، اي بكلمات اخرى تقويل اباء الكنيسة ما لم يقولوه.

ولكن هنا ايضا ما شأن هذه الملاحظات والاعتبارات في تجديد الطقوس بتوجيه الاساءة الى الكتاب المقدس والقربان المقدس والطقوس الكنسية.

للمقال تتمة:

  • تجديد الطقوس والاخوة المسلمون
  • نتائج الاساءة وكيفية تطويق اثارها

الخوري عمانوئيل يوخنا

نوهدرا 26 تشرين الأول 2020

 

ملاحظة: سبب تقسيمي الموضوع الى اجزاء هو لاتاحة المكان للتوسع بالملاحظات ووضعها امام القراء الكرام ما دام الموضوع بات قضية رأي عام.. فمعذرة على الاطالة ولكني اجدها مبررة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *