Home / Articles/Books / Articles / مار ماري وتوسيع الشعبية بتوظيف الكورونا والاعتداء عليه

مار ماري وتوسيع الشعبية بتوظيف الكورونا والاعتداء عليه

وقفة مع ظاهرة السيد روبرت شليمون (المعروف شعبيا بأسم مار ماري).. ما له وما عليه

ثالثا: أسباب توسع شعبية واتباع مار ماري:

(تتمة): مار ماري وتوسيع الشعبية بتوظيف الكورونا والاعتداء عليه

3- الكورونا واللقاح: الشعبوية على حساب حياة البشر

يقول رسول الأمم بولس: (فانواع مواهب موجودة، ولكن الروح واحد.  وانواع خدم موجودة، ولكن الرب واحد. وانواع اعمال موجودة، ولكن الله واحد، الذي يعمل الكل في الكل. ولكنه لكل واحد يعطى اظهار الروح للمنفعة.) 1 كورنثوس 12: 4-7

هكذا تفهم المسيحية المواهب والمهارات الممنوحة والتي يكتسبها البشر ويخدمون بها الحياة البشرية.

والاطباء والعلاج الطبي بمختلف انواعه واساليبه هي جزء من هذه المواهب والمهارات التي منحها الرب خدمة للبشرية.

بذلك فان رجال الدين من مختلف الاديان والمذاهب ممن كانت لهم مواقف سلبية من الوباء واللقاح انما كانوا يسعون منع الاطباء من خدمة البشرية وانقاذ حياة البشر. كانوا مقامرين بحياة الناس.

اختلفت المواقف السلبية لرجال الدين من الوباء والتطعيم واجراءات الوقاية، فمنهم من شكك بالوباء أصلا، ومنهم من رفض التطعيم بتبريرات مختلفة، ومنهم من رفض الاجراءات الوقائية كالاغلاق والعزل الصحي، وغيرها.

رجل الدين العراقي قاسم الطائي قال ان كورونا لا يصيب المؤمنين المخلصين، بل لعله لا يصيب المسلمين الملتزمين بأحكام الشريعة.

ومثله قال رجال دين مسيحيون وان بكلمات ومعايير اخرى.

الوباء ومخاطره وسرعة انتشاره من جهة، وجدوى الاجراءات الوقائية كالعزل والاغلاق من جهة أخرى، ولاحقا فائدة التطعيم من جهة ثالثة، كانت حقائق ملموسة لكل انسان ذو منطق ويشعر بالمسؤولية، إلا انها لم تكن كذلك لدى بعض رجال الدين.

من المهم جدا ملاحظة ان بعض الناس انكروا حقيقة الوباء قبل ان يلتحق بهم بعض رجال الدين. بكلمات اخرى فانه في بداية الأمر ليس رجال الدين من شكك بالوباء بل الناس، وليركب الموجة بعض رجال الدين بدوافع مختلفة، ربما الشعبوية وقاعدة (خالف تشتهر) كانت اهمها. وبالتاكيد فان المنابر الدينية لرجال الدين الرافضين وسعت دائرة الناس المشككين والرافضين.

الجدير بالذكر هنا ان عدد رجال الدين الذين كانت لهم مواقف كهذه هم باعداد لا تذكر بالمقارنة مع رجال الدين الذين امتلكوا شعور المسؤولية تجاه الحياة وكانوا مشجعين وايجابيين في اجراءات الوقاية والعلاج. مثلهم في ذلك مثل الناس المشككين والرافضين فهم اعدادهم كانت لا تكاد تذكر بالمقارنة مع من وثقوا واحترموا والتزموا الاجراءات الوقائية والعلاجية التي هدفت، وتمكنت، من تقليل وفيات الوباء.

للأسف فان مار ماري كان أحد هؤلاء المشككين والمحرضين والمقامرين بحياة الناس ، وكان رفضه وتوظيفه لمنبره عاملا لتوسع شعبيته، ولكن بثمن ليس بالقليل، وهو تعريض حياة الناس لخطر الوباء والوفاة. فنتائج محرك البحث غوغل تربط مار ماري بكورونا حينها، وحاليا بحادثة الاعتداء اكثر من ربطه بالوعظ.

مار ماري وصف اجراءات الغلق الهادفة لحماية حياة الناس من انتشار الوباء بانها عبودية. وهو يعلن ان اللقاحات غير مجدية.

https://www.dailymail.co.uk/news/article-9832835/South-west-Sydney-Orthodox-Christian-leader-slam-vaccines-Covid-lockdowns-service-Video.html

نذكر هنا ان عددا من رجال الدين ممن رفضوا التطعيم اصيبوا بالوباء وفقد قسم منهم حياته، في حين تلقى اخرون العلاج والتزموه.

رجال الدين، وأحدهم مار ماري، الذين حرضوا الناس على رفض التطعيم، عوض التشجيع اليه، يتحملون المسؤولية المباشرة عن كل حياة فقدت بسبب عدم التطعيم وعدم الالتزام بالاجراءات الوقائية. انهم استخفوا بنعمة الحياة وكرامة الحياة الانسانية الممنوحة من الرب.

الدور السلبي لمار ماري في موضوع الوباء تجاوز ما قام به رجال دين اخرون ممن اقتصروا على التشكيك والرفض بحجج تضليلية مختلفة البسوها لباس الدين والمعتقد. مار ماري تقمص دور منظمة الصحة العالمية ودوائرالاحصاء في دول العالم، ناهيك عن دور الطبيب. فهو ينشر معلومات مضللة ويعلن، دون اي مرجع، ان عدد الوفيات بين الذين تلقوا التطعيم هي اكثر من اعداد وفيات من لم يتلقوا التطعيم.

https://www.youtube.com/watch?v=wNxNljs-IIw

مار ماري الذي، كما جميعنا، تلقى اللقاحات وحمته، كما حمتنا، من الحصبة والجدري وشلل الاطفال رفض التطعيم ضد الكورونا وشجع اخرون على رفض التطعيم، الى ان حان الاوان لاحقا واضطر لتلقي التطعيم.

آخر المعلومات الاحصائية عن الوباء كما في 13 نيسان 2024 (قبل شهر من اليوم):

عدد المصابين: 704,753,8980 حالة، الوفيات: 7,010,681، المتعافين: 675,619,811

ولاستراليا، حيث يعيش مار ماري، كان عدد المصابين 11,853,144 (44,45% من السكان)، الوفيات 24,414 والمتعافين 11,820,014. المصدر:

https://www.worldometers.info/coronavirus/

4- التوظيف في الاعتداء الذي استهدفه

مع استقدام مار ماري للعنف (راجع الجزء السابق من المقال) وتعرضه للاعتداء، الذي نكرر ادانته، فانه كما في حالات الاعتداء المماثلة فان الضحية تكسب التعاطف والتضامن والدعم من مساحات واسعة من الجمهور  (ليس فقط جمهورها) والمؤسسات والاعلام حتى من المختلفين ومن دول ومناطق عبر البحار ايضا. ولنتذكر مثلا مجلة (شارلي إيبدو) الفرنسية حيث بعد الاعتداء الارهابي عليها في 2015 بباريس توسعت شعبيتها اضعافا مضاعفة، وتلقت التبرعات المالية بارقام لم يسبق لها تلقيها وانقذتها من الافلاس. واستمر التعاطف الى مدى زمني محدود لتعود بعدها المجلة وجمهورها الى حجمها الطبيعي. إلا أن الحادثة دفعتها الى مراجعة نقدية لاداءها، كما دفعت النخب الفكرية والمؤسسات المعنية لمناقشة موضوع الحد الفاصل بين حرية الاعلام واحترام الاخر.

الأمر ذاته ينطبق على مار ماري.

فاستهدافه والاعتداء عليه جعله يتصدر ألاخبار في المنابر الاعلامية المرئية والمقروءة، التلفزيونية والسيبرانية، وغيرها. وجغرافيا التعاطف والتضامن تجاوزت جغرافيا الحادثة لتمتد عبر البحار الى القارات الاخرى. كيف لا والمعمورة باتت قرية صغيرة، والسوشيال ميديا صغرتها وربطتها اكثر. الفارق بين الحالتين هو باعتقادي ان مار ماري لا يبدو معنيا بمراجعة الاداء ومعرفة والتزام الحد الفاصل بين حرية الراي واحترام الاخر، بل ويبدو لي مصرا على المزيد من الطروحات الاستفزازية باسم “الدعوة الربانية” وتحت حماية حرية التعبير.

ومع الاخذ بالاعتبار الثقافة الشرقية التي تتحكم باتباع مار ماري من مسيحيي الشرق (في الاوطان الأم والمهجر)، وهي ثقافة اشرنا اليها في الجزء السابق من المقال، فان التعاطف والتضامن يرفع البطل-الضحية الى مصاف “الشهيد الحي” والى حالة من التقديس لا تسمح باثارة اي سؤال أو ابداء أية ملاحظة. السنا ابناء ثقافة: لا صوت يعلو على صوت المعركة.

عشرات الفيديوات تم نشرها للحادثة ليس بغاية توثيقها فحسب (فهذا امر طبيعي)، بل للتسويق الشعبوي لظاهرة مار ماري. وبالتاكيد، وكا قلنا، فانه من الطبيعي ان توسع الحادثة جمهور مار ماري واتباعه.

التوظيف في فعل ومشهد الاعتداء بلغ حدودا واسعة، اخطرها كان توصيف تفاصيل في الحادث (سواء كانت وقائع ام تصورات) على انها معجزات ربانية. فعدم فتح السكين في يد الفاعل في اولى ضرباته اعتبرها البعض انها تدخل رباني وانها معجزة.

لا ادري ان كان هؤلاء يطبقون ذات التوصيف على فشل الارهابيين في مرات كثيرة من تفجير الاحزمة الناسفة؟

بل والمزيد. هل يعني انه الرب لم يتدخل وهو راض وموافق على حالات الاعتداء المماثلة التي نجح فيها المعتدي من الاعتداء كما خطط له؟ يقول الكتاب المقدس: لا تجرب الرب الهك.

سأل احد الاعلاميين المستشارة الالمانية السابقة، انجيلا ميركل (وهي ابنة قس بروتستانتي)، عن هل انها تصلي قبل اتخاذ قراراتها؟ فاجابت: انا لا اجرب الرب الهي.

لنشاهد هذا الفيديو من دون تعليق على هذه الفنتازيا “الايمانية”:

https://www.youtube.com/watch?v=79KryIAz6OY

ولنشاهد ونستمع الى القس اسحق (أحد كهنة كنيسة مار ماري) وكيف يوحي وبوضوح الى يد الرب وتدخلها في الحادث وقطعها لاصابع الفاعل. ولاحظ كيف ان القس اسحق وضمن تقديسه لمار ماري يقول ان مار ماري (انتبهوا: مار ماري وليس المسيح) لا يرضى بالانتقام والاعتداء. الغريب هنا ان مواعظ مار ماري الكثيرة والمستمرة رسخت روح الانتقام والكراهية لدى جمهوره وليس التسامح والمحبة.

https://www.youtube.com/watch?v=kM5pN2-g66Y

شخصيا، وجدت اكثر التوظيفات غرابة هو التوظيف في مسامحة مار ماري للفاعل، وكأنه أمر فوق العادة وخارج التوقعات والسياقات البشرية والمسيحية تحديدا. لن أشير الى حالات مماثلة لعل اكثرها انتشارا هي الاعتداء بغاية الاغتيال، وليس مجرد الاعتداء، التي تعرض لها البابا يوحنا بولس الثاني، وكيف سامحه البابا وزاره في السجن، ولكني اسأل جميع من يعرف نفسه انه مسيحي الايمان والسلوك: لو حدث لك حادث او اعتداء مماثل، هل ستسامح الفاعل أم لا؟ وذات الشيء لاكليروس جميع الكنائس عبر العالم. أترك الجواب لكم. فهل من شيء فوق العادة ان يسامح مار ماري الفاعل.

ليس مار ماري وكهنته واتباعه فقط من وظفوا الحادثة والاستثمار فيها ولكن اخرون ايضا مثل تلفزيون الجديد اللبناني الذي قدم الحادثة على انه تحقق لتنبؤات ليلى عبداللطيف التي كان التلفزيون قد استضافها في نهاية العام السابق لتقدم تنبؤاتها لعام 2024.

https://www.youtube.com/watch?v=9wlkZ1nTqmk

أما مار ماري وتوظيفه الشخصي للحادثة فقد بدا واضحا ليس فقط في عدم ارتداء النظارات وابقاء الضماد مرئيا، ولكن بالاسراع الى السفر الى كنيسة القيامة في الاراضي المقدسة وفي عيد القيامة وبما يتيح من فرصة متميزة لتغطية اعلامية واسعة.

نقول:

قد تختلف الكنائس (وهي فعلا مختلفة) في لاهوتها وطقوسها وهيكليتها وقوانينها وغيرها، ولكنها جميعا متفقة بالاضافة الى العقائد الاساسية (الثالوث المقدس، التجسد، الفداء) بانها جميعها تعترف وتلتزم وتمارس المعموذية والافخارستيا (القربان المقدس).

الافخارستيا هو من اهم العبادات التي يشترك فيها مؤمنو الكنيسة مع المسيح عبر تناول جسده ودمه المقدس. وهو ايضا ممارسة تشارك مؤمني الكنيسة كجسد واحد متحد. من هنا فان مشاركة الاكليروس في الافخارستيا مع مؤمني الكنيسة هو اكثر من ان يكون مجرد تقليد.

بل انه في الكنائس الرسولية (التي نشأ وتربى ونما وارتسم فيها مار ماري) فان اكليروس الكنيسة، بمختلف رتبهم، مفروض عليهم الاحتفال والمشاركة في الافخارستيا في رعيتهم او ابرشيتهم في ايام الاعياد الربانية، وبشكل أخص الميلاد والقيامة.

نقلة تثير الاستغراب والتساؤل قيام مار ماري بترك كنيسته وكهنتها ومؤمنيها قبل عيد القيامة، وهو اكبر الاعياد واكليل كل الاعياد، والسفر الى الاراضي المقدسة ليظهر لنا في لقطات ومشاهد فيديوية وكلمات على الفضاء السيبراني.

سؤال يفرض نفسه: لماذا لم يحتفل مار ماري بافخارستيا عيد القيامة مع كنيسته؟

الم يكن الواجب، ليس القانوني والتقليدي فحسب، بل العقائدي الايماني من حيث ممارسة الشركة (الشراكة) مع اكليروس ومؤمني كنيسته، ان يحتفل بعيد القيامة مع مؤمني كنيسته ومن بعدها يغادر الى الاراضي المقدسة فكنيسة القيامة كانت وما زالت وستبقى هناك.

أية رسالة وجه بذلك الى كنيسته ومؤمنيها؟ سؤال يستحق الاجابة ليس بالعاطفة بل بعقل مسيحي وقلب مؤمن.

مرة اخرى، وبمشاهدة الفيديوات الاستعراضية له في الاراضي المقدسة يمكن لنا القول ان مار ماري تعمد ذلك لاغراض شعبوية لا عقائدية، وتعمد ان تكون الزيارة في فترة ما زال فيها حاضرا مشهد الاستهداف، واذا كان هناك من نسي المشهد فان القيام بالزيارة بوجود الضماد على العين قبل ان تتعالج (انشاء الله) ستحيي ذاكرة الاستهداف الارهابي.

مرة اخرى، التسويق الاعلامي والتوظيف الشعبوي واضحان، ولكن السؤال يبقى ما هي الغاية والمحطة النهائية للتسويق والتوظيف؟ فالتسويق والتوظيف بحد ذاتهما مرحليان عابران.

ونضيف في ذات سياق الشعبوية، لقد كان مشهدا لم يسبق لأي من من رجالات كل الكنائس واكليروسها ان يقبل به ويكون جزءا من مشهد مثله، أقصد رفعه على الاكتاف والطواف به.

https://www.youtube.com/shorts/TWRuBV7skrM

مشهد اقرب منه الى الاحتفالات والمبايعات السياسية بروح العالم من أن يكون مشهد مسيحاني.

نعرف ان هناك فقرات طقسية لها تفسيراتها لدى بعض الكنائس عندما تحمل الاكليروس في مناسبات محددة، ولكن ان يحمل رجل الدين على الاكتاف والطواف احتفاء به، فانها ممارسة أبعد ما تكون عن الروح التي يزرعها الكتاب المقدس في النفوس وتنمو بذرتها مع الحياة المسيحية بروح الايمان.

كنت اتساءل، وأنا أرى المشهد، يا ترى كيف يرى نفسه مار ماري وهو محمول على الاكتاف في المدينة المقدسة؟

هل يماثل نفسه مع السيد المسيح في دخوله الى المدينة المقدسة؟ ربما. فهو ماثل نفسه مع يوحنا المعمذان كما سناتي عليها في جزء قادم من المقال. ام كان يماثل نفسه مع قادة العالم النرجسيين الذين يحبون سماع: بالروح بالدم او ما شابهها من عبارات؟ ربما. فـ”الأنا” تظهر في السيرة والحديث والاعلام ومن بينها: “صورني وآني ما أدري”.

الخوري عمانوئيل يوخنا

نوهدرا 13 أيار 2024

وللمقال تتمة:

الجزء الرابع: كنيسة المسيح الراعي الصالح.. إنشقاق جديد.. أم تحديث وتجديد

الروابط الى الاجزاء السابقة:

الجزء الأول: المدخل

http://etota.net/articles-books/articles/mar-mari-p1/

الجزء الثاني: من هو مار ماري؟

http://etota.net/articles-books/articles/mar-mari-p2/

الجزء الثالث ق1: أسباب توسع شعبية واتباع مار ماري

http://etota.net/articles-books/articles/mar-mari-p3a/

الجزء الثالث ق2: مار ماري وتوسيع الشعبية بتوظيف الاسلام والترامبوية

http://etota.net/articles-books/articles/mar-mari-p3b/

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *