Home / Articles/Books / Articles / خطوات عملية من اجل حياة ونمو لغتنا

خطوات عملية من اجل حياة ونمو لغتنا

خطوات عملية من اجل حياة ونمو لغتنا

(بين اوراقي المبعثرة على مكتبي (باتت بلغة اليوم فايلاتي المبعثرة في الكمبيوتر) عثرت على هذا المقال الذي لا اتذكر اني نشرته. قمت بمراجعته ونشره اليوم)

المريض الذي لا يؤمن انه مريض لن يراجع الطبيب.
والطبيب الذي لا يشخص المرض لا يستطيع تحديد العلاج.
والمريض الذي يرفض تلقي العلاج لن ينال الشفاء.
هذه سلسلة منطقية ندركها جميعا في حياتنا.
وهي تنطبق ايضا ليس على الافراد فحسب بل على المجتمعات والامم والاوطان..
وهذا هو فحوى مقالنا.

من هو المريض؟ وما مرضه؟ وما هو علاجه؟
بصراحة بالغة وبعيدا عن الهروب من حقائق الواقع فان المريض هو هذا الشعب واللغة التي ننتمي اليهما جميعا.
اما مرضنا فهو ضمور العضلات والعظام ونحول الجسد..
حيث عناصر وجود هذا الشعب مصابة بالضمور والنحول حد يهدد حياة وجسد الامة.. كل الامة..
وفي مقدمة هذه العناصر هما الوطن اي الارض واللغة..

الوطن تم اقتلاعنا منه وهجرتنا وتهجيرنا منه:
في ايران وبحسب ارقام2003 هناك حوالي 15 الف اشوري فقط، في تركيا حوالي 10 الاف اشوري. في سوريا ولبنان الوضع ليس افضل..
وفي العراق حيث كانت تبلغ نسبة لنمو السكاني السنوي لشعبنا + 3% بين 47 و1957 انخفضت الى 1.6% بين 57 و1965 وانخفضت الى 0.73% بين 65 و1977 وفي عام 2002 انخفض الى ـ 0.9% (بحسب احصاءات بعضها رسمية واخرى تخمينية)
(حسب احصاءات 1977 كان هناك 253478 مسيحي في العراق، يزيدية 102191، مندائيين 15937)

نحن اليوم شعب مهجري. ففي مهجرنا تتواجد اكبر ديموغرافياتنا واقتصاداتنا ومؤسساتنا وطاقاتنا.
ولكن المهجر يكون مهجرا فقط عندما يكون هناك وطن..
وما دام الوطن مهددا فالمهجر زائل.

اما اللغة والتي هي موضوع مقالنا فهي لغة حياتنا اليومية ولكنها ليست ابدا لغة ثقافتنا..
فابناء شعبنا من قراء اية لغة من لغات اوطاننا او مهاجرنا هم اكبر من قراء السريانية..
وكتابنا باية لغة من لغات اوطاننا او مهاجرنا هم اكبر من كتاب السريانية..
اضافة الى محدودية نوعية ومواضيع هذه الكتابات..
فيكفي ان نقول ان لا جريدة يومية او اسبوعية بالسريانية. والموجود النادر هو بعض دوريات شهرية او فصلية غير منتظمة الاصدار.. طبعا ربما هناك بعض الاستثناءات..

هل من علاج ربما يكون ناجعا؟
لنسأل هل حقا شعبنا يدرك حقيقة مرضه؟ او على الاقل خطورة وجدية مرضه؟
شخصيا لا اعتقد ذلك.. والامثلة السابقة عن النشر والقراءة هي شواهد.. ومن كثيرين سمعنا عن عزوف شعبنا المهجري عن تعلم لغته. وكذلك في الوطن الى حد كبير.
ولذلك اقول ان شعبنا غير واع بمرضه او بخطورة مرضه.
وذات الامر بالبنسبة للجامعات العالمية حيث انحسرت السريانية من اهتمام هذه الجامعات كلغة حية مع بقاءها ضمن الاهتمام بتراثها الغني.

خطوة البداية هي اطلاق صيحة (May Day) وبخاصة في المهجر لان الطاحونة المهجرية هي اكثر قسوة من طاحونة الوطن.. ومقالنا ليس لنقاش هذه التفاصيل مثل كيف ولماذا؟
نكتفي بايراد مثال الجالية الايطالية فرغم كل القدرات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية فان الجيل الاول من الجالية لايطالية في استراليا (وهي من اكبر الجاليات في استراليا) 80% منهم يتحدثون الايطالية وتنخفض النسبة الى 40% للجيل الثاني..
في الوطن..
التعريب استفحل وضرب جذوره في حياتنا..
انه امر ذات دلالة خطيرة انه خلال قرن او اقل تراجعت السريانية من كون ابجديتها مستعملة لكتابة العربية (الكرشونية) لتكون اليوم بالعكس الحروف العربية واسطة لقراءة السريانية.
والاكليروس الكنسي الذي على مدى اكثر من 18 قرن كان الكاتب والناشر بالسريانية بات اليوم غريبا عن لغته بكل ما يعنيه هذا الاغتراب من انقطاع عن الماضي والتراث والثقافة.. فالى اية محطة لغوية وقومية يقودنا هذا الاكليروس.
(معظم الاكليروس الكنسي لا يكتب بالسريانية غير مرة واحدة في الاسبوع حين يكتب اسماء المتوفين الذين يقيم القداس على ارواحهم)
والعربية باتت تنافس السريانية في الطقوس والمراسلات والمجامع السنهاديقية والتعليم الكنسي لمن يقول ويفتخر بانه وريث طيمثاوس وباباي الكبير ونرساي واخرون..
و الامر لا يختلف كثيرا عن الكنيسة المهجرية حيث باتت تضطر لاعتماد الانكليزية او لغات اخرى بديلا عن السريانية.. واذا كان ذلك مفهوما لجهة ذهنية وقناعات والتزامات الاجيال الناشئة هناك. فانه ليس مقبولا على الاطلاق للكنيسة في الوطن.
طبعا علة استشهادي بالكنيسة لان الكنيسة هي اوسع مؤسسات شعبنا من مختلف النواحي..
وفي مقابل هذا التراجع للسريانية في اهم واقوى مؤسسات شعبنا اي الكنيسة سواء الكلدانية او المشرقية او السريانية، هناك توجه وتطور وتوسع في الحس والشعور القومي في مؤسسات المجتمع المدني لشعبنا في الوطن والمهجر لجهة اللغة الام.
ولكنه يبقى ضعيفا بالمقارنة مع الانحسار في حضور ودور السريانية في الكنيسة. مثلما يبقى ضعيفا في مواجهة تحديات عصر العولمة الذي فرض نفسه علينا من دون خيارنا. فالعولمة رغم ايجابياتها وفضائلها من ناحية الاتصال والتواصل وتوفر التقنيات وغيرها فانها باتت خطرا حقيقيا يهدد ثقافات وشعوب ولغات.. وبينها شعبنا ولغتنا ثقافتنا.
ناهيكم عن المادية الحياتية التي مع العولمة باتت تفرض سؤالا يسبق كل الاسئلة وهو ما هي الجدوى المادية من تعلم هذا الامر او ذاك؟ وبينها اللغة، وبينها اللغة السريانية.
وبذلك ومع انعدام سوق اقتصادية للغة السريانية فان تبرير وتشجيع وتسويق تعلمها بين ابناءنا هو كونها أهم عنصر خصوصيتنا القومية والثقافية، وللاسف فان هذا هو عامل لا يستشعره الجميع وبخاصة المهجر.
من هنا أرى ان الخطوة الاولى هي التوعية الاعلامية القومية باهمية اللغة مع ملاحظة توظيف الفضائيات والقنوات الاعلامية مع مراعاة انماط ومعايير السوق الاعلامية كالاعلانات القصيرة وباسلوب يخاطب ذهنية الاجيال الناشئة والتخلي عن الاساليب المحاضراتية والتلقينية التقليدية التي لا ينجذب ولا يرغبها الجيل المعاصر.
كل ذلك من اجل رسالة واضحة وصريحة تتلخص في اننا مرضى ومرضنا جدي وخطير ومستفحل.

ما هو العلاج؟
في نقاط مختصرة نقول:
1- تاسيس مجمع لغوي يمثل مرجعية لغوية على الاقل على المستوى الوطني.
وحيث ان اية مرجعية تحتاج الى موارد وسلطة لممارسة مرجعيتها فانه يتوجب العمل على شرعنة وقوننة المجمع ومرجعيته واعتبارها مرجعا لغويا له صلاحية رفض طبع الكتب التي تفسد اللغة.. بكلمات اخرى رقابة لغوية لا فكرية.. ولا داعي هنا للدخول في تفاصيل مهام المجمع مثل استنباط المصطلحات واقرار الاصلاحات اللغوية وغيرها فهي من صلب مهامه.
2- الدعم المادي والمعنوي لمؤسسات المجتمع المدني المهتمة باللغة لسريانية.
3- الضغط الحقيقي والجدي على كنائسنا لاستيعاد اعتماد السريانية لغة طقسية ورسمية لها.
4- تحرير التعليم السرياني وتطويره من حيث المناهج والكوادر مع مراعاة التبسيط والسلاسة.
فمقياس قوة اللغة ليس في تعقيد قواعدها بل في سلاسة تعابيرها مع نقاءها بمستوى مقبول.
5- اعداد مناهج التعليم للدورات غير المدرسية للوطن والمهجر مع مراعاة التبسيط والسلاسة ايضا.
6- تشجيع النشر والتاليف من خلال مسابقات وانشطة سنوية.
7- وفي نقطة مرتبطة بالسلطة فان اية لغة يمكن لها ان تكون حية ومتطورة من خلال وجود كيان سياسي وموارد اقتصادية لابناءها. وهنا فان الضغط والعمل على دور الحكومات في الوطن هو استحقاق مطلوب لتوفير هذه الموارد والصلاحيات.
8- اهمية كسر الحواجز بين الكلاسيكية والمعاصرة وبين الخطين واللفظين الشرقي الغربي بتعلمهما وتعليمهما.
9- الاستثمار في السوشيال ميديا والاعلام المرئي لدورها المتميز. “بيت كانو” تمثل قصة نجاح لدعمها والاقتداء بها.
تحياتي

الخوري عمانوئيل يوخنا
نوهدرا 17 آب 2024

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *