البطريركية قبل البطريرك..
نقاش لا يخلو من صراحة مؤلمة..
القسم الثاني
1- انقضت فترة على نشري القسم الاول من المقال لاعود اليوم لنشر قسمه الثاني. وهي فترة غير مالوفة بين قسمين لمقال واحد، خاصة وانه متعلق باستحقاق بات قريبا جدا لانتخاب تاريخي لبطريرك مشرقي.
ولكني تعمدت التاخير لعلمي بالاجتماع المشترك بين شطري كنيسة المشرق في شيكاغو، ولكوني اكليريكي في كنيسة المشرق فقد تفاديت نشر اي شيئ قد يجده هذا او ذاك، هنا او هناك، مرتبط، سلبا ام ايجابا، دعما او رفضا، للاجتماع.
باختصار لم انشر المقال لقناعتي ان الاجتماعات المهمة تحتاج فضاء شعبيا حواريا هادئا.
اما وقد انتهى الاجتماع الذي ربما نناقش تفاصيله يوما ما اذا اتيحت لنا فرصة معرفة مجرياته، فاننا نعود الى القسم الثاني من مقالنا: (البطريركية قبل البطريرك). فمعذرة على التاخير.
2- في القسم السابق تناولنا الوضع الداخلي لكنيسة المشرق الاشورية والتحديات التي تواجهها، ويواجهها تحديدا البطريرك القادم، والتي، براينا المتواضع، تستحق اخذها بنظر الاعتبار في انتخاب البطريرك.
في هذا القسم سنتناول الاوضاع والتحديات التي تستحق هي الاخرى اخذها بنظر الاعتبار وهي في مستويات او مساحات ثلاث:
• المستوى القومي
• المستوى المسيحي المشرقي
• المستوى الوطني
ذلك ان بطريرك اية كنيسة مشرقية لابناءها خصوصية قومية وثقافية وتعيش هذا الوضع القائم وتحدياته الوجودية على المسيحية المشرقية لا بد وان تقوم مهامه وارادته وادارته البطريركية على رؤية ودراية واضحة بالاوضاع والتحديات التي يواجهها شعبه وباقي مسيحيي المشرق وكنائسهم واوطانهم، وبعكس ذلك سيكون بطريركا وادارة بطريركية لا تنتمي الى الواقع، ولا تكون لارادته البطريركية اية فرص تحقق.
على المستوى القومي
1- حالة التشتت التي يعيشها شعبنا بين الوطن والمهجر. فالشعب كما كنيسته مشتت في المعمورة، وكما هو مهدد وجوديا في الوطن فانه مهدد وجوديا في المهجر ايضا.
المهجر مهما بلغ وامتلك من امكانات ومصادر ومؤسسات وطاقات لا يمكن ان يكون وطنا بديلا.. فالمهجر هو مهجر فقط عندما يكون هناك وطن، وبعكسه فانه لا يعني شيئا. والمهجر هذا الحلم الوردي هو في حقيقته مقبرة لكل عناصر الهوية القومية والثقافية.. مقبرة لتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا.
قد يكون لنا قائمة طويلة من التبريرات والذرائع لهجرتنا وفي مقدمتها انها تهجير وليس هجرة.. وقد ننام في سلام مع انفسنا بان قرار هجرتنا هو ضمانة لمستقبلنا..
ولكن يجب ان نعترف ان الـ(نا) في مستقبلـ(نا) لا تتعدى حدود الأنا ولتصل في اوسع مدياتها عائلتنا الفردية، ولا يمكن ان تكون مطلقا هذه الـ(نا) شاملة لوجود قومي وحضاري استمر سبعة الاف سنة.
الهجرة قد تكون حلا فرديا ولكنها لم ولن تكون حلا جمعيا. والكنيسة وبطريركيتها عليها التعامل مع الحلول الجمعية وليس الفردية.
المؤلم ان الكنيسة وبطريركيتها الى هذه اللحظة كانت سلبية بمواقفها العملية (لا اقول الخطابات والوعظات التي تبقى مجرد كلام ما دامت لم تقترن بممارسات عملية) من هذه القضية الوجودية عندما “شرعنت” عمليا الهجرة ووهم الوطن البديل.
واذا كان قرار اعادة الكرسي البطريركي الى الوطن نقطة تحول فان ما نتمناه ان يكون ذلك التزاما مبدئيا ينعكس في الاختيار البطريركي ايضا ولا تكون عودة الكرسي سببا غير معلن لتحديد خيارات الانتخاب او الهروب من تقبل السدة البطريركية.
ان البطريركية القادمة ولتتمكن من ادارة شؤون الكنيسة المشتتة بين الوطن والمهجر لا بد ان يكون لها الدراية الوافية باوضاع وتحديات وامكانات وفرص الوطن والمهجر معا. فلا نعتقد ان بطريركا تنحصر درايته بالوطن يمكن ان يقود الكنيسة، مثلما لا نعتقد ان بطريركا تنحصر درايته بالمهجر يمكن ان يقودها ايضا.
2- تشتت شعبنا ليس جغرافيا فحسب بل هو تشرذم وصراع وتناحر، سياسي ومؤسساتي، مثلما هو تشرذم يصل الى التقاطع ايضا في الرؤية المطلبية لمستقبل شعبنا في الوطن.
فتشويه المطالب والاستحقاقات السياسية والادارية لشعبنا في الوطن وبما يجعلها ضمانة لوجوده ومستقبله كانت هدفا لتشويه متعمد ومبرمج شاركت فيه العديد من المرجعيات الكنسية من هذه الكنيسة او تلك، بوعي ودراية ام بدونه، بهذه الصيغة او غيرها، حتى اصبحنا نبحث ونسعى للاختلاف مع بعضنا حتى على الحدود الدنيا من الاساسيات والمطالب.
الكنيسة ومرجعياتها الابوية والبطريركية يمكن لها ان تساعد في تاطير العمل والرؤية المشتركة وادارة الخلافات القائمة. وهذا يتطلب امتلاك الكنيسة، وبخاصة في شخص بطريركها، الرؤية الواضحة المنحازة الى مصالح شعبنا وتترافق مع الممارسة الايجابية القائمة على الحيادية الموضوعية بعيدا عن التموضعات والتجاذبات الحزبية والسياسية.
الكنيسة، وبشخص بطريركها، يمكن لها ان تكون جزءا من الحل ولا يجدر ان تكون جزءا من المشكلة في تبني البطريرك مواقف خلافية تسموية او مطلبية او سياسية.
لسنا نذيع سرا ان اذرع الاخطبوط الحزبي بلغت الى مراكز صنع قرار كنيسة المشرق بمختلف اقسامها وفي مختلف المستويات الهرمية لصنع القرار او مواضيعه. ولسنا نستبعد ان يمارس هذا الاخطبوط مساعيه وصولا الى التاثير في اداء وادارة البطريركية القادمة لتكون بطريركية بلا اسرار وليكون مكتبها تحت ادارة ومعرفة مكتب سياسي محدد.. كما هو الحال مع العديد من المكاتب الكنسية في مختلف اقسام كنيسة المشرق.
3- لسنا نكتشف او نعلن سرا ان شعبنا يعيش حالة فوبيا تجاه الاخر من شركاءه في الوطن.
واذا كان جزء من هذه الفوبيا نتاج تراكمات وذاكرة جمعية تاريخية، فان القسم الفاعل فيها والذي يغذيها ويديمها ويؤججها هو المصالح الحزبية والشخصية الضيقة وتحالفات (تبعيات) من هم في مركز صنع القرار لشعبنا بما يمتلكوه من مؤسسات تابعة ومؤثرة في صناعة وتوجه الراي العام لشعبنا.
فعوض معالجة الذاكرة ومعالجتها بشراكات وبرامج عمل فان هناك من يؤجج الفوبيا بمناسبة او غيرها، بذريعة او بغيرها.
من نتائج الفوبيا انها افقدتنا فرص الشراكة السياسية.
ولكي لا نجلد ذاتنا، فان الشراكة تتطلب ارادة مشتركة لاطرافها. وبالتاكيد ما زلنا لم نلتمس هذه الارادة لدى العديد من الشركاء.
ولكن الفوبيا بالتاكيد ليست لصالحنا، ونحن المتضرر الاكبر منها.. فنحن شعب لا يمتلك قدراته الذاتية لتحقيق طموحاته بمعزل عن الاخرين، ونحن شعب لا نشكل تهديدا استراتيجيا لطموحات الاخرين من شركاء الوطن.
لذلك فاننا نحن من يجب ن يصر ويسعى للشراكة، وزرعنا وتاجيجنا للفوبيا هو انتحار نمارسه اراديا بحق امال ومساعي الشراكة.
مثلما افقدتنا الفوبيا امكانية توظيف المهجر لخدمة الوطن.. فنحن عندما اصرينا على زرع وتاجيج الفوبيا في مهجرنا، فانه لا يمكن لنا ان نتوقع من المهجر ان يقوم بتوظيف واستثمار طاقاته الاقتصادية والمؤسساتية والاكاديمية في الوطن.
الفوبيا كانت وما زالت احد محفزات الهجرة والتهجير (التهجير لا يتم فقط من قبل الاخرين من التنظيمات الاصولية والسياسات التمييزية بل هو ايضا تهجير للوطن من قبل شعبنا في المهجر).
والفوبيا كانت وما زالت اهم اسباب عدم توظيف راسمالنا المهجري لخلق فرص عمل ومؤسسات في الوطن.
الكنيسة بحكم رسالتها وبحكم تجذرها في المجتمع وبحكم مقبوليتها بين الشعب ومحيطه وشركاءه يجدر بها ان تكون جسرا ليس فقط للاتصال والتواصل والتفاعل بين ابناء الشعب الواحد بمختلف انتماءاته الكنسية والمناطقية فحسب، بل وايضا جسرا للشراكة بين شعبها وشركاءه في الوطن.
الكنيسة يمكن لها ان تكون صمام الامان والبوصلة الراشدة والمرشدة في هذه المشكلة من خلال تهدئة الخطاب السياسي المتشنج والفوبيا تجاه الاخر والتوقف عن كسب الاعداء. وبالتاكيد فان فاقد الشيئ لا يعطيه، بما يعني ان البطريركية نفسها يجب ان تكون متحررة من الفوبيا تجاه الاخر المختلف مذهبيا او تسمويا ضمن شعبنا او مختلف دينيا او قوميا ضمن اوطاننا. فنحن كنيسة مشرقية رسولية وشخص واداء البطريرك امر مؤثر جدا ليس بحكم موقعه كراس للكنيسة بل وايضا بحكم نظر المقابل الى الكنيسة واداءها ومواقفها من خلال شخصه.
4- منذ بداية التسعينيات من القرن المنصرم فان القيم والسلوك الجمعي لابناء الكنيسة تتعرض للتراجع والانهيار حيث هيمنت اساليب البعثفاشية على الخطاب والاداء السياسي والمؤسساتي والاجتماعي (تخوين، تسقيط، ارهاب جسدي، ارهاب لفظي، وغيرها) مما افقد شعبنا قيمة توارثها لقرون تمثلت في رفضه الجمعي للسلوك غير المسيحاني. كلنا نتذكر الى الامس القريب، في السبعينيات مثلا، كيف كان المجتمع الاشوري ينظر الى ناشطيه القوميين، حيث كان ينظر اليهم على انهم المثال والانموذج في وعيهم وتضحيتهم واخلاقيتهم واخلاصهم، ليتحول بدءا من التسعينيات انحدارا ليكون “الناشط القومي” سلوكا من الفساد السياسي والمالي والاخلاقي والمتاجرة بالام ومعاناة شعبه.
وفي سياق هذا الانهيار نلحظ تراجع هيبة الكنيسة واختراق الخطوط الحمراء في التعامل معها ومع مرجعياتها.
واذا كان هذا بحد ذاته اشكالية اخلاقية كبرى لمجتمع توارث احترام كنيسته فان الوجه الاخر للمشكلة هو تماهي وقبول هذه التجاوزات شعبيا ومؤسساتيا وللاسف حتى كنسيا.
فقادة الهجمة اللاخلاقية البشعة ضد الكنيسة تقدم لهم الكنيسة ذاتها بان يتصدروا الصفوف الامامية للاحداث والمناسبات القومية والكنسية، بل وهناك مرجعيات كنسية تشاركهم في الحضور في منتديات ولقاءات تتناول قضايا سياسية ووجودية لشعبنا.
ان الكنيسة المؤتمنة على تربية وارشاد ابناءها على القيم المسيحية النبيلة من المحبة واحترام كرامة الانسان لها مسؤولية مضاعفة امام حالة التردي والانهيار الاخلاقي الحالي من حيث اعادة الاعتبار للقيم الجمعية وخلق الرقابة الشعبية للاخلاقيات الفردية والمجتمعية والمؤسساتية.
5- الامور اعلاه ومعها عوامل اخرى يضيق بها مجالنا جعلت وضع شعبنا هشا من حيث عدم التزام الحد الادنى من الثوابت سواء ما كان منها مطلبيا سياسيا وتشريعيا او تعبيريا عن هوية ووحدة شعبنا. بكلمات اخرى فاننا نفتقر الى التزام الحد الادنى من الاتفاق في الشكل والجوهر.
الكنيسة وللاسف وبمختلف اقسامها ومرجعياتها لم تكن عموما محصنة من هذا الامر، ليس من حيث فشلها او عدم رغبتها في تصحيحه فحسب، بل والمشاركة (التي لا يمكن في هذه الحال الا ان تكون مقصودة) في تعميق الخلاف والاختلاف، بخاصة في موضوعة حربنا الاهلية، حرب التسمية، حيث تم توظيف البطريركيات وما زال لاجندات تسموية لم ولن تثمر سوى الارهاق والنزيف والتشتت.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، وعلى تعلق الامر بكنيسة المشرق الاشورية، بلغ التطرف القومي حد التضاد ومخالفة الكنيسة لدستورها وحجر زاوية ايمانها، الكتاب المقدس، الذي يشير الى شعبنا بلغتنا السريانية بانه (اثورايا) الا ان عدد من مرجعياتها تبنوا وروجوا لبدعة (اشورايا) وهي تسمية لا وجود لها تاريخيا بل وان تبنيها يعني الخروج على الكتاب المقدس والتشكيك بصحته.
المثير للشفقة ان هناك من يحاول الموازنة بين (اثورايا) و(اشورايا) باعتبار (اثورايا) تدل على ابناء كنيسة المشرق، و(اشورايا) تدل على الاشوريين بكل انتماءاتهم المذهبية!!! (لاحظ الصور ادناه من التقويم الرسمي لابرشية كنيسة المشرق في العراق) فهل كان الرب في كتابه المقدس يخاطب ابناء كنيسة المشرق عندما يورد تسمية (اثورايا) في العهد القديم الذي يسبق ولادة كنيسة المشرق بقرون!!! وكيف التمييز بين التسميتين عند الترجمة للعربية او الانكليزية او غيرها من اللغات!!!
الدرجة او الموقع الكنسي لا يمكنه تحصين وتبريروتمرير البدع الخاطئة والمضللة، واي مسعى بهذا الاتجاه هو سوء ادارة يفتقر القائمون به الى الحكمة.
6- وفي شان المهجر-المقبرة فان ما يتميز به مهجرنا (وللاسف سلبيا) عن مهجر بقية الشعوب هو الفشل شبه التام في توظيف ما فيه من “نعمة” لخدمة قضية الوطن سواء في المستوى السياسي او الاعلامي او الاقتصادي (الاستثماري) او حتى الانساني.
لا ننكر العديد من النجاحات هنا او هناك ولكنها لم تستمر او تؤثر او ترتقي بحجم المهجر وطاقاته وفرصه من جهة وبحجم المطلوب في الوطن ومن اجل الوطن من جهة اخرى.
ولعل السبب الرئيسي في ذلك هو الاداء السلبي لمؤسساتنا القومية وبخاصة السياسية منها ودخولها في حروب داخلية وصراعات وهمية يضيق المجال عليها هنا.
ولعل الفشل التام في توظيف امكانات مهجرنا الاقتصادية والمؤسساتية لخدمة الوطن حيث فشلنا تماما في خلق فرص عمل وتنفيذ برامج تنموية واقتصادية لديموغرافيتنا في الوطن يعكس الاداء الكارثي لمهجرنا.
بل والانكى من ذلك ان معاناة شعبنا واحتياجاته الانسانية باتت الممر الامن لغسل الاموال من المؤسسات المهجرية لصالح اشخاص ومؤسسات “انسانية” وسياسية محددة.
يمكن للكنيسة برايي ان تلعب دورا مهما في تصحيح الامور من خلال مأسسة العمل الانساني بحرفية وشفافية وتشجيع توظيف راس المال المهجري لخدمة الوطن.
وكذلك في الجانب السياسي فان الكنيسة يمكن ان تكون رافعة للعمل والاداء السياسي لشعبنا من خلال اداء دور ايجابي لترتيب البيت السياسي الداخلي لشعبنا وتبني رؤية مشتركة.
وبالتاكيد فان فاقد الشيئ لا يعطيه، بمعنى ان الكنيسة لتكون كذلك عليها هي نفسها، وتحديدا في شخص بطريركها ومجمعها، ان تمتلك هذه الرؤية من حيث الاهداف والوسائل.
على المستوى المسيحي المشرقي
نعتقد ان كنيسة المشرق بسبب الوهن والهشاشة التي تعيشها في بنيتها المؤسساتية والادارية (كما مررنا في القسم السابق) وبسبب هشاشة اوضاع ابناءها (كما في الفقرات السابقة) فانها اليوم تحتاج اكثر من اي وقت مضى للعمل بارادة جادة مترافقة مع رؤية واضحة للعمل المسكوني المسيحاني الذي تتراوح مدياته من اعادة توحيد شطري الكنيسة المشرقية المنقسمة حديثا، الى شراكة تكون غايتها المنشودة في مراحل واجيال قادمة توحيد كنيسة المشرق التاريخية، الى شراكة مسكونية مع الكنائس الشقيقة الارثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتية.
1- الامل-الحلم-التحدي الذي يتمناه-يحلمه-يسعى اليه عموم ابناء كنيسة المشرق هو توحيد كنيسة المشرق الاشورية وكنيسة المشرق القديمة.
واذا كانت جماهيرية المطلب تجعله امرا ضاغطا على اباء الكنيسة من جهة، ومقبولا ومفهوم الفاتورة المطلوبة لاجله من جهة اخرى، فانه بذات الوقت ليس بالسهل الهين كما يسعى البعض لتصويره او تبسيطه او تسويقه.
التوحيد هو غير الترقيع.
الدعوات للتوحيد الفوري على قاعدة ان هناك بطريركا انتقل الى الملكوت السماوي، وهناك بطريرك اخر موجود ويكفي للتوحيد ان تناط به السدة البطريركية للكنيسة الموحدة، هي دعوات تبسيطية تصل حد السذاجة بسبب جهلها او تجاهلها لمتطلبات التوحيد الذي اكرر انه غير الترقيع.
توحيد المنقسمين عادة يكون تتويجا لمراحل من التطبيع.
عملية التوحيد بين الكنيستين ستكون سابقة وخارج سياقات التوحيد الاعتيادية من حيث ان التطبيع سيلي التوحيد ولا يسبقه كما هو منطق الامور. من هنا فانه يجب الانتباه الى ان التوحيد والتطبيع يكون حزمة كاملة وواضحة المبادئ والتفاصيل (على الاقل بمحطاتها الاساسية).
برايي المتواضع ان توحيد الكنيسة ليكون قابلا للتحقيق والاستمرار يجب ان يقوم على مبدا انتخاب بطريرك جديد لكنيسة موحدة يشارك في انتخابه اباء الكنيسة الموحدة. وان “حزمة” التوحيد لا بد وان تتضمن حلولا متفق عليها بين اباء الكنيسة الموحدة في شان العديد من اشكالات ومشاكل الوضع القائم:
• توحيد اسم الكنيسة على المستوى الرسمي في جميع اوطان تواجدها
• توحيد تقويم الكنيسة ولو بحده الانى بمعنى على مستوى الابرشيات
• تسوية الوضع القانوني للاباء المطارنة والاساقفة والكهنة والمؤمنين من كنيسة المشرق القديمة الذين هم حاليا خارج الادارة البطريركية للبطريرك مار ادي الثاني.
• التسوية النهائية للوضع القانوني للممتلكات الكنسية والمحاكمات القائمة بين اطراف النزاع في كنيسة المشرق القديمة.
• اعادة توزيع الابرشيات المطرافوليطية والاسقفية
والى بقية المواضيع والنقاط التي ليست موضوع هذا المقال، وحتى ما ذكرناه فانما ذكرناه بايجاز لتوضيح ان التوحيد ليس الترقيع وان له تحدياته ومصاعبه التي لا يمكن معالجتها بمجرد العاطفة والتمني.
2- الشراكة التي تكون غايتها للمديات والاجيال القادمة الوحدة مع الكنيسة الكلدانية.
واذا كانت الغاية النهائية تجسيد لكلمة ووصية الرب فان برنامج تحقيقها يجدر ان يتصف بالحكمة الربانية وارشاد وهداية الروح القدس.
الرسالة الكنسية هي غير العمل السياسي حيث غالبا ما يتقاطع ويتناقض الشكل مع الجوهر.
الكنيسة عندما تؤدي رسالتها فان اسلوب عملها وشكله والياته لا يجب ان تتقاطع وتتناقض مع جوهره.
من هنا فان توحيد كنيسة المشرق مع الكنيسة الكلدانية يجب ان يكون مسيحانيا في الشكل والمضمون.
انه توحيد لا يمكن ان يكون على الطريقة اليوناسرباوية (نسبة الى زوايا مثلث الانقلاب الكنسي الفاشل: السيد يوناذم كنا، الاسقف سرهد جمو، الاسقف باوي سورو) التي قام اسلوبها على العنف والتسقيط وتكسير العظام وايذاء المؤسسات، ومضمونها قائم على عودة الكنيسة الضالة (كنيسة المشرق) تائبة الى الايمان الكاثوليكي (راجع وثيقة ايمان الاسقف باوي سورو).
من السذاجة ان نضع سيناريوهات توحيد الكنيستين بين سيناريو المتشددين المشرقيين بان الوحدة ممكنة وسهلة وما على البطريرك الكلداني لتحقيقها سوى ان يقطع ارتباطه مع الكرسي الروماني ويعود الى كنيسته الام، وسوف نثمن خطوته ونقيمه بطريركا على كل الكنيسة المشرقية الموحدة!!!!
او سيناريو المتشددين الكاثوليك (كما عبرت عنه وثيقة ايمان الاسقف باوي سورو) بان تعود الكنيسة المشرقية من ضلالها تائبة وتقدم الولاء والخضوع الى الكرسي الروماني متجاوزة الفي عام من وجودها وخصوصيتها العقائدية والبنيوية!!!!
3- المسيحية المشرقية هذا الفضاء الواسع وهذا الحضور الكبير في المنطقة المشرقية والعالم وهذا المخزون الغني بكل مصادره وموارده البشرية والاقتصادية والمؤسساتية وغيرها يكاد يكون بالكاد حاضرا في برامج عمل ورؤى اباء الكنيسة المشرقية (مع وجود استثناءات نادرة).
يضيق مجال المقال لهذا المحور المهم الذي نضعه امام البطريركية المشرقية بل ونضعه، كما بقية المحاور في اقسام المقال، امام اباء المجمع السنهاديقي الانتخابي وهم يتوجهون لانتخاب البطريرك.
وهنا ايضا فان شخص البطريرك وقناعاته تحدد توجهات الكنيسة وتحسم خياراتها.
فمن كان اكليروسا منغلقا على ذاته او عائشا في صراعات باتت جزءا من الماضي ولا يراها الا بمنظاره، ومن كان الى الامس غير مؤمن بالعمل الوحدوي او متجاوب مع العمل المسكوني بكل مستوياته لا يمكن له ان يكون غدا بطريركا مسكونيا يفتح لكنيسة المشرق ابواب وافاق الفضاء المسيحي.
على المستوى الوطني
العراق الحالي هو زواج قسري بين مكوناته القومية والدينية والطائفية. وهو زواج فاشل لم ينتج عنه سوى المآسي والاضطهادات والمذابح. العراق الحالي ليس الا وهم الا اذا اعتبرنا خطابات ساسته وادعاءاتهم حقائق!!! العراق الحالي فشل في بناء ذاكرة وطنية جمعية مثلما فشل في خلق طموحات وطنية مشتركة.
وهذا لسبب بسيط لانه لم يكن يوما دولة مواطنة قائمة على العدالة والكرامة والاحترام والمساواة بين الجميع ومن اجل الجميع.
ليس هذا فحسب، فالعراق الحالي لا يتوجه لمعالجة الخلل في بنيته الكيانية والدستورية والتشريعية بل على العكس تماما هو يسير نحو الانشطار الذي هو برايي نتيجة طبيعية ومعقولة لمسار غير عقلاني لدولة اسموها العراق.
العراق الحالي وهم لا يراهن عليه سوى الواهمون، وبينهم للاسف بعض الساسة والمرجعيات الدينية المسيحية العراقية والشرق اوسطية.
انا افهم السياقات البروتوكولية والمتطلبات الدبلوماسية في الخطاب والتخاطب، ولذلك لا انظر الى دعوات المواطنة ووحدة العراق وغيرها باكثر من كونها حروف وكلمات وتعابير تنتحر وتؤول الى الفراغ، حيث مكانها الطبيعي، بمجرد انتهاء ترديدها.
التعويل على دور مسيحي لتجسير الهوات الانقسامات هو وهم اخر يصر بعضنا، نحن مسيحيو العراق، على العيش فيه. التعويل والرهان على حكومة مركزية في بغداد هو من تجليات هذا الوهم ايضا.
رهان البعض على حكومة مركزية يعيش الجميع في ظلها بكرامة ومساواة، ورهان بعض ساسة ومرجعيات مسيحيي العراق على اعادة عقارب الساعة الى الوراء من حيث الوجود المسيحي في مناطق الحكومة المركزية او ارتباط ديموغرافية سهل نينوى بحكومة بغداد رهانات واهمة.
ان الاوان لمسيحيي العراق، كنائسا وساسة وافراد، التحرر من هذا الوهم واعتماد برامج وخيارات تاخذ بعين الاعتبار حقائق الجغرافيا السياسية القائمة ونتائجها التي باتت ملامحها بالتشكل ولا يصعب على من يمتلك نعمة العقل ان لا يتلمسها ويراها.
ويقينا فان البطريركية القادمة انتخابا ورسامة واداء مطالبة اكثر من غيرها التمعن بهذه الامور وعدم اعطاء اية رسالة خاطئة في المضمون اوالشكل.
وكما نقول بالسريانية (ܚܟܝܡ ܪ̈ܡܙܐ ܣܦܩܝܢ ܠܗ)
خاتمة هذا القسم
لهذه الامور وللامور التي اوردناها في القسم الاول من المقال فان الاختيار هو استثنائي ومفصلي وتاريخي.
فهل سيكون المجمع السنهاديقي الانتخابي القادم بمسؤولية هذه اللحظة التاريخية؟ وكيف سيتعامل مع مروحة الخيارات بين اختيار الخيار، ام اختيار البديل للخيار، ام ملء الفراغ؟
سنعود الى السؤال في القسم القادم الذي نسعى لنشره غدا او بعده.
الخوري عمانوئيل يوخنا
31 ايار 2015