Home / Articles/Books / Articles / سميل.. ذاكرة العراق المثقوبة

سميل.. ذاكرة العراق المثقوبة

سميل.. ذاكرة العراق المثقوبة

مع المخاض الذي تعيشه منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا والذي ابتدا قبل ما يسمى بالربيع العربي الذي يبدو ربيعا بنهاية مفتوحة من حيث الشكل والمضمون فلا احد يدري متى او كيف ينتهي، ومع النتائج التي افرزها او هو في طريقه لفرزها على بنية ومستقبل المنطقة حيث اعادة تشكيل الحدود (كما في السودان) او اعادة بناء بنية الدولة (العراق وربما سوريا) او اعادة بناء الهيكلية المؤسساتية لادارة الدولة، ومع حقيقة ان بناء الاوطان والمستقبل هو تحد ليس بالهين وانه ليس وليد جهد اني بل لا بد ان يعتمد على تراكم جهود وخلاصات ونتائج تجارب مرت على الوطن ذاته او على الاوطان والشعوب في مسيرة بناءها، فانه لا بد للذاكرة العراقية ان تعالج ثقوبها وتستذكر تاريخ واحداث  العراق القريبة والمعاصرة التي ساهمت بشكل او باخر في تشكيلته ومساره وطنا وشعبا ومؤسسات واداء.
اكثر ما يعيق الشعوب والاوطان في مسار بناء مستقبلها هو عندما تفقد ذاكرتها لانها بذلك تكون مرشحة لاعادة انتاج فشلها وتكرار احباطاتها عوض الاستفادة من ما مرت فيه من تجارب.

سميل التي هي اول جريمة ابادة جماعية في تاريخ الدولة العراقية المعاصرة هي احدى ثقوب الذاكرة العراقية، بل اكبر هذه الثقوب.
سميل بجريمتها البشعة حددت بوصلة اداء الحكومات العراقية المتعاقبة في التعامل مع ابناء الوطن.. فلولا ثقب الذاكرة العراقية ونسيانها لسميل ما كانت حصلت مذابح حلبجة وصوريا والانفال والاهوار وشعبان.
سميل بتكريم جنرالاتها ومنحهم نياشين البطولة لارتكابهم مجزرة ضد ابناء الوطن زادت من نهم ورغبة السلطة لدى العسكر ليقودوا اول انقلاب عسكري في الشرق الاوسط عام 1936 ولتبتلي من حينها المنطقة وشعوبها بالانقلابات العسكرية.
سميل بطريقة تعامل الدولة مع هواجس ابناء الوطن ومطالبهم للعيش الكريم هي الفشل الاول واساس كل الفشل اللاحق والمستمر للدولة العراقية.
الم يكن تعامل الانظمة المتعاقبة مع الثورة الكردستانية اعادة انتاج لسميل؟
والم يكن التعامل مع اهلنا في الاهوار والجنوب اجترار اخر لسميل؟
اوليس ما يتعرض له اليوم ابناء الوطن الاصلاء بسبب هويتهم القومية او الدينية هو استمرارية لسميل؟

ماذا ترانا فاعلين اليوم ونحن نسعى (او على الاقل هكذا يدعي ساستنا) لبناء عراق مدني جديد وزاهر؟
ماذا ترانا فاعلين ونحن نرى ان سميل مستمرة وتوسعت مجاميع ضحاياها ممن نزيد من اهانتهم بتسميتهم بالاقليات!!
وتنوعت اساليبها من العنف الدموي بغاية الاجتثاث والاستئصال الى الغاء واجتثاث من الذاكرة العراقية.
اليس تغييب مذبحة سميل من المناهج الدراسية العراقية اهانة مباشرة لضحاياها وتبجيل غير مباشر لجنرالاتها والقائمين بها؟
وذات الامر للاعلام العراقي الرسمي منه والخاص، المرئي منه والمسموع والمقروء..
الا يستحق ضحايا سميل اعتراف الدولة العراقية بالمذبحة التي ارتكبت بحقهم والاعتذار عنها وبما يمنحهم وغيرهم من “الاقليات” الاطمئنان على وجودهم ومستقبلهم، بل وبما يمنح الثقة للعراقيين، كل العراقيين، اننا عازمون على طي صفحات الدماء والعنف.
الاشوريون، هذا الانتماء العراقي الاصيل والمتجذر، الذي يحتفي بيوم الشهيد الاشوري في السابع من اب كل عام والتي هي ذكرى مذبحة سميل، يستحق من وطنه العراق ان يشاركه هذا الاحتفاء.
في العديد من دول الشتات حيث التجا العراقيون، ومن بينهم الاشوريون، هربا من الظلم والاضطهاد الذي عاشوه في وطنهم، اقاموا النصب واطلقوا التسميات على الشوارع والساحات تكريما لسميل وشهداءها.
من المؤلم حقا ان لا يكون في العراق ذلك.

وبمنظار ورؤية اوسع: اليس تغييب المكونات العراقية القومية والدينية ممن نسميهم بـ”الاقليات” من الاشوريين والصابئة واليزيديين عن مناهج التربية والتعليم هو اساءة الى العراق وتاريخه اولا قبل ان يكون اساءة لهؤلاء ممن يريد البعض محوهم من الذاكرة العراقية؟
اليست الديانات المسيحية واليهودية والصابئية واليزيدية موجودة في العراق قرون قبل دخول الاسلام؟ فلماذا يتم تغييبها عن الذاكرة العراقية؟
تلاميذ المدارس العراقية اليوم هم صناع القرار العراقي غدا، فكيف سيكون القرار حكيما اذا كان صانعه يجهل مكونات شعبه؟
الجميع يكاد يتفق (على الاقل في التصريحات الاعلامية) وجوب قبول الاخر واحترامه، ولكن اليست الخطوة الاولى لقبول الاخر هي معرفته؟ كيف يمكن لي ان اقبل من لا اعرف بوجوده؟
استذكار التجارب الدموية والمؤلمة هو ضمانة لعدم تكرارها، بينما نسيانها او تناسيها هو استعداد لاستنساخها.

التعبير الاكثر تاثيرا والاعمق وجدانية للشراكة بين ابناء الوطن هو الشراكة في احترام الضحايا والاحتفاء بذكراهم.
كم هو وجداني ومعبر ان يستذكر العراق الرسمي والشعبي حلبجة والانفال والاهوار؟
وكم سيكون وجدانيا ومعبرا ان يستذكر سميل وصوريا؟

في ذكرى سميل وكضحية مباشرة لها بحكم عراقيتي واشوريتي فاني استذكر المقولة الشهيرة لمارتن لوثر كنغ: لدي حلم.
وحلمي هو ان يقام في العراق مركزا كبيرا باسم (لكي لا تتكرر) (Never Again) يضم مكتبة ومركزا توثيقيا لجرائم الابادة الجماعية في العراق الحديث، مثلما يضم دور عبادة صغيرة لكل الاديان العراقية (الاسلام، المسيحية، اليهودية، الصابئة، الايزيدية) لتعبر ليس فقط عن هوية الضحايا بل وعن ارادة ابناءهم للعيش المشترك، ويقوم المركز ببرامج سنوية في مجال حقوق الانسان والعيش المشترك.
ان الذي حقق حلم لوثر كينغ لم يكن قرارا تشريعيا وسلطويا من الدولة.
ان الذي حقق حلمه هو انه كان حلم الملايين المستضعفة.. وفي عراقنا وشرقنا ملايين مستضعفة تريد ان تعيش بمحبة وعدالة وكرامة واحترام ودون تمييز او تمايز.. فهل يتحقق حلمها..

الخوري عمانوئيل يوخنا

29 آب 2013

ملاحظة:
– المقال أعلاه هو واحد من عدة مقالات نشرتها جريدة (العالم) الصادرة في العراق هذا اليوم الخميس 29 اب ومخصصة لموضوع سميل ضمن مبادرة للسيد حيدر سعيد. شارك في كتابة المقالات كل من حيدر سعيد، الدكتور سعدي المالح، مؤيد الونداوي،  سعد سلوم، والخوري عمانوئيل يوخنا. يمكن قراءة المقالات على الرابط: (مقالات في جريدة العالم)

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *