انتهت “واقعة” بروكسل.. فهل يراجع “المقاطعون” موقفهم
1- توقفت عن الكتابة في الشان القومي والسياسي منذ عدة سنوات، وسالني حينها اصدقائي عن السبب، فقلت لاني اذا قررت ان اكتب مجددا فساستهل بمقال اعنونه: شعبي يحتضر.
ولاني كنت دائما مؤمنا بالامل وابشر به فلا اريد ان اكون جزءا من الاحباط ونشره، فالافضل ان اتوقف.
بعدها بسنين سالني الاصدقاء مرة اخرى اذا كنت ساعود للكتابة فاجبت كلا. والسبب هذه المرة لاني اذا رجعت فساستهل بمقال: شعبي ينتحر.
وهكذا استمر صومي وانقطاعي عن الكتابة لسنوات طوال بحيث ان الكثيرين ممن يقراون لي هذا المقال من الاجيال اليافعة والشابة ربما لا يتذكرون كاتبا بهذا الاسم وربما لم يقراوا له سوى بعض التاملات او التقارير المعلوماتية والنشاطات بخاصة في مجال عمل منظمة (كابني).
2- ولكن مع التطورات الميدانية والسياسية المتلاحقة بعد تحرير سهل نينوى، ومع بلوغ استحقاق مناقشة واجابة وتحديد المواقف من العديد من القضايا التي كنا قد اشرنا اليها منذ سنوات سابقة، فاني وجدت لا مفر من العودة للكتابة بهذه الامور والقضايا رغم قناعتي شبه التامة ان لا حياة فيمن تنادي، وان الهروب من مواجهة الحقائق والواقع عبر خلق فضاء من الاوهام والاحلام والفوبيا هو ما زال سائدا ومتحكما بنقاشات شعبنا السياسية، وما زال الاسلوب السوقي في تسويق التهم المعلبة والتخوين والتسقيط يتحكم بحوارات شعبنا وسياسييه ومريديهم.
والسبب في العودة للكتابة رغم هذه القناعة هو ان نكتب للتاريخ على الاقل، بحيث انه في يوم ما وبعد ان تحقق مرجعياتنا السياسية والدينية عملها في استعداء الجميع وهدر الفرص والصداقات وكسب الرهانات في سوق المزايدات والشعارات، وبعد ان يكون هذا الشعب قد بات جزءا من التاريخ فانه على الاقل يكون هناك من يقول انه كانت هناك اصوات وكانت هناك نداءات ولم يكن كل الشعب ساعيا للانتحار الفردي او الجماعي.
3- هناك الكثير الكثير للكتابة.. ولا ادري ان كان جدول التزاماتي المضغوط سيسمح لي بتناولها في وقتها، وبخاصة ما يخص منها استحقاقات داهمة، ولكني آمل ان اجد الحد الادنى للوقت لذلك، على امل ان تتسع فسحته مع منتصف اب القادم. وفي جميع ما كتبت سابقا واكتب الان واكتب لاحقا فاني لا اعبر الا عن رايي وموقفي وليس بالضرورة ان يكون متفقا او مختلفا مع اية مرجعية كنسية او منظماتية اعمل ضمنها.
على اية حال ساحاول ان تتوافق الكتابات مع الاحداث بمعنى الكتابة في الوقت المناسب عن الاحداث والمواضيع. ولذلك فان البداية ستكون في هذا المقال بمؤتمر بروكسل.
4- بالامس انتهى مؤتمر بروكسل الذي ملا به شعبنا الدنيا ضجيجا وقرقعة وتسقيطات واساءات (ولذلك اسميته واقعة) رغم كونه مؤتمرا اخر ضمن العديد العديد من المؤتمرات السابقة منها واللاحقة: هنا او هناك، داخل الوطن او خارجه، برعاية هذه الدولة او المؤسسة الدولية او تلك، وفي هذا الموضوع او ذاك، وبحضور هؤلاء او اولئك، وهكذا..
وهذا سياق طبيعي مع هكذا قضايا وشؤون في الساحة الدولية. الممر من المناصرة (Advocacy) الى الاعمال هو ممر طويل وصعب.
مؤتمر بروكسل كغيره هو مؤتمر للحوار وتبادل الرؤى وصولا الى توصيات ترفعها الجهة الداعية له الى مرجعياتها المؤسساتية التي تصنع القرار (في هذه الحالة البرلمان الاوربي والمفوضية الاوربية) وليس بالضرورة ان توصيات كل مؤتمر ستقود اوتوماتيكيا الى قرارات. وحتى القرارات ليس بالضرورة ان تتحول الى خطط عمل ملزمة وممكنة التنفيذ. فالعملية معقدة ومتشابكة تتداخل فيها مواقف الدول المعنية ومصالحها وغيرها مما يضيق به المجال هنا.
باختصار ان مؤتمر بروكسل كما غيره هو مؤتمر للحوار وليس للقرار.. مؤتمر للتوصيات وليس للالتزامات.
5- ساترك موضوع وتحليل ما سبق ورافق مؤتمر بروكسل من اداء سياسي واعلامي لمقال او مقالات قادمة، واكتفي في هذا المقال بدعوة مقاطعيه لمراجعة مواقفهم. ولن اتوقف على تفاصيل وتحليلات والخلفيات الحقيقية للمقاطعة الا بمقدار الحد الادنى الذي يتطلبه المقال.
حزبيا: قاطع المؤتمر الزوعا وكيان ابناء النهرين بذريعة واضحة في بيانات المقاطعة وحملات الميديا التي قادوها وروجوا لها ان المؤتمر واجندته المخفية والمعلنة هي مؤامرة ضد شعبنا وترويج لمشروع كردي، وتحديدا البارتي، والاكراد والبارتي والبارزاني هم كما صورتهم ميديا المقاطعين بانهم العدو التاريخي لشعبنا، فكيف يمكن لهما ان يشاركا في هكذا مؤتمر للخونة والعملاء وتجار القضية. كيف يشاركا وهما على اعتاب انتخابات برلمانية (بدات مبكرة اشوريا) تلعب الفوبيا والخطاب الشعبوي غير المسؤول دورها الحاسم في التصويت. (في الحقيقة ان حملة التجييش ضد المؤتمر اعطته زخما وحجما يتوجب برايي ان يشكرهم القائمون على المؤتمر عليه).
وفي حوارات يومي المؤتمر وجلساته وصولا الى مقرراته تاكد بالصوت والصورة والتوثيق والتوقيع ان لا اجندة مخفية ولا اجندة كردية ولا اجندة عربية، بل اجندة كلدانية سريانية اشورية فقط لا غير تمثلت بتبني المطلب العادل والدستوري لمحافظة سهل نينوى.
كما قاطعه حزبيا ايضا الحزب الوطني الاشوري الذي طرح بشفافية ووضوح سبب مقاطعته بمقال نشره امينه العام على موقعه في الفيسبوك بان المؤتمر هو مؤامرة واجندة لحزب (PYD)!!!
نورونا يا اخوان فانتم خميرة الامة وقادتها!!! بحسب معلوماتي ومشاهداتي على الواقع وفي الاعلام والمنابر والمواقف السياسية فان البارتي والـ(PYD) هم اكثر من مجرد مختلفين. فكيف التقى الاثنان في مؤامرة مشتركة على شعبنا في مؤتمر واحد في بروكسل.
انها فضيحة سياسية من المعيار الثقيل ان ثلاثة احزاب يقاطعون نفس المؤتمر بهكذا سببين متناقضين تماما.
وهذا يثير الاسئلة عن الاسباب الحقيقية وراء المقاطعة، وهذا كما ذكرنا لن نتناوله في هذا المقال.
6- كنسيا: قاطعته الكنيسة الكلدانية بتصريح رسمي صريح ومنشور على العامة. فشكرا لها على شفافيتها وصراحتها مع شعبنا.
شخصيا لا اتفق مع السبب الوارد في بيان البطريركية، ولكني هنا ايضا لن اناقش الامر في هذا المقال.
ولكن كل الذي اتمناه واصلي من اجله خالصا وقلبا وعقلا ان لا تكرر البطريركية الكلدانية الحالية ما قامت به كما تقول (والعهدة على القائل) القوى السياسية المختلفة والناشطين القوميين قبل عقد واكثر ابان بطريركية المثلث الرحمات الراحل مار عمانوئيل دلي انها مع الزوعا رفضتا قرار حماية كان البيت الابيض بصدد اقراره، ولو كان تم ذلك الاقرار حينها لكانت الامور مختلفة اليوم.
وكنسيا ايضا لم تشارك كنيسة المشرق الاشورية. ومشهد عدم مشاركتها\مقاطعتها\تعليق مشاركتها هو المشهد الاكثر تخبطا بين المقاطعين!! ففي المسودة الاولى للبرنامج كان ورد اسم الخوراسقف اسطافنوس يلدا مع ملاحظة وضعت بين قوسين (To be confirmed) اي سيتم التاكيد. لتلحقها المسودة قبل النهائية وتتضمن اسم نيافة الاسقف مار عوديشو اوراهام الذي اعلن على المؤمنين في قداس الاحد السابق انه سيشارك ممثلا للكنيسة وبتكليف من قداسة البطريرك. ولتظهر لاحقا انباء في الميديا ان الكنيسة قاطعت. وليصدر بعدها في 29 حزيران تصريح باسم ابرشية اوربا بانها وبناء على كتاب رسمي من البطريرك قد (علقت) مشاركتها.
شخصيا لا استوعب مدى دقة وصواب مصطلح (تعليق المشاركة) في مؤتمر ليومين.
الكنيسة الاشورية لم تعلن لحد الان اية اسباب لعدم مشاركتها او مقاطعتها او تعليق مشاركتها وهذا اثار ويثير الاسئلة والتاويلات والشكوك عن الامر، وصولا الى اسئلة بين ابناء الكنيسة وربما اكليروسها (كاتب المقال احدهم) عن القرار وخلفياته والياته؟ وهل ان الكنيسة وقعت في فخ نصبه لها بعضهم بدليل الترويج الاعلامي لعدم مشاركتها وتجييره لصالح اجندة سياسية معلومة وحشر الكنيسة في زاوية وخانة سياسية محددة.
المشهد المربك للكنيسة الاشورية يزداد ارباكا والتساؤلات تتوسع اذا ما علمنا انه قبل اقل من شهرين اعلن قداسة البطريرك وفي مناسبة دينية روحانية بحتة هي رسامة الاسقف مار ابرس ومن على منبر ديني (لا سياسي او مؤسساتي) هو مذبح كنيسة مار يوحنا في اربيل وبحضور العديد من المطارنة والاساقفة اعضاء المجمع السنهاديقي اعلن موقف الكنيسة الواضح ومطلبها السياسي الصريح بتشكيل محافظة سهل نينوى. ولكنها لا تشارك في مؤتمر ومنبر كانت احدى محاوره مناقشة اقتراحات لمستقبل سهل نينوى!!!
7- اما وقد تبنى المؤتمر المطلب الذي طالبت به الاحزاب المقاطعة الثلاثة فانها باتت امام لحظة تاريخية ومفترق طرق وامتحان صعب اختارته لنفسها وحشرت نفسها فيه.
فهل ستفرض نتائج المؤتمر نفسها عليهم (بافتراض توافر حسن النية والالتزام بالمسؤولية) لمراجعة وتقييم قرار المقاطعة والعودة عنه وضم صوتهم الى الصوت الموحد لشعبهم؟
فاذا ما علمنا ان مختلف المؤسسات والمرجعيات الوطنية منها والدولية التي تقوم مرجعيات شعبنا بالتواصل معها بشان دعمه في حقوقه وبناء مستقبله تطلب وحدة الموقف والرؤية (في مؤتمر بروكسل ولدى حواري الجانبي مع مسؤول احدى المؤسسات الامريكية المشاركة قال لي ان المؤتمر وتوحيد الرؤية والموقف الذي خرج به سيساعد كثيرا في نيل دعم الادارة) فان السؤال الاخلاقي والعملياتي الذي يفرض نفسه على الاحزاب المقاطعة هو:
هل سيصدرون (منفردين ام مجتمعين) تصريحا بدعم نتائج مؤتمر بروكسل لما في ذلك من تحقيق لوحدة الصف ودعم للمطلب الذي يطالبونه هم ايضا وهو محافظة سهل نينوى وبالسياقات الدستورية العراقية؟
ام تراهم من موقع الكبرياء غير المسؤول يهربون الى امام ويستمرون في رفض المؤتمر وتخوين المشاركين فيه وخلخلة الدعم الذي توافر فيه قوميا وعراقيا وكردستانيا ودوليا بما يعنيه من فرص الانتقال الى خطوات لاحقة لنقل التوصيات الى قرارات ومن ثم الى برامج عمل.
وهل ستبارك الكنيستين الكلدانية والاشورية مطالبات مؤتمر بروكسل؟ (بالتاكيد ليس بموقف مشترك، فللاسف ان آخر ما نحلم به ان كنائسنا في العراق تعمل بروح واطر مسكونية قائمة على ان مرجعياتها الابوية جميعا اخوة وبينهم اخ كبير.. هناك فرق بين ان تكون الاخ الاكبر وان تكون الاخ الاوحد).
بالمناسبة وللتذكير فان السفير العراقي شارك في المؤتمر بناء على تواصل وتوصية من رئيس مجلس الوزراء.. فلا نكون ملكيين اكثر من الملك.
8- وللاحزاب المقاطعة اقول انه في عالم السياسة وحل الاختلافات وفن المفاوضات ومراجعة المواقف هناك ما يسمى بحفظ ماء الوجه.
وادرك حاجتكم لذلك.. ويمكنكم تحقيقه بان يتضمن تصريح التراجع عن المقاطعة والانتقال الى التاييد الادعاء بان مقاطعتكم وهاشتاكاتكم وفورة غضب مريديكم من الروبوتات هي التي اجبرت المؤتمر وتحكمت في مسار توصياته. او حتى يمكن لكم الادعاء ان منظمي المؤتمر سهروا الليل في كونفرنسات فيديوية معكم معتذرين منكم وطالبين حكمتكم وتوصياتكم او اية اسباب وادعاءات اخرى تضمن لكم الانتقال الامين والسليم من المقاطعة الى التاييد. فشعبنا تعود على هكذا ادعاءات، وفي هذه الحال على الاقل سيكون هناك نقلة عملية من وراء الادعاءات وهي الانتقال من تشتت الموقف الى توحيده.
شخصيا سافهم كل ما تكتبون وتدعون وسابتسم عند قراءته واشكركم عليه ما دام يفتح لكم العودة الى الموقف الضميري المسؤول مع شعبكم ولاجل شعبكم.
بارك الرب كل جهد لخدمة شعبنا المتالم
الخوري عمانوئيل يوخنا
1 تموز 2017