قراءة في فكر وخطاب بطريركيتي الكنيستين الكلدانية والمشرق الاشورية
“من وحي مقال منشور”
الجزء الثاني
لمراجعة الجزء الاول:
https://etota.net/articles-books/articles/assyrian-and-chaldean-patrirachtes-p1/
نبتدئ حيث انتهينا في الجزء الاول فنقول انه ما كنت بصدد نشر هذا الموضوع لولا قيام الموقع الرسمي للبطريركية الكلدانية بنقل مقال السيد رابي الموسوم (شتان ما بين فكر وخطاب البطريركين مار ساكو ومار آوا في كلمة تهنئتهما بمناسبة أكيتو) ونشره على واجهته (في نفس يوم نشر المقال على موقع عنكاوة)، بما يعني الاتفاق معه وتسويق طرحه مما نقل الموضوع الى مستوى اخر، رغم ان عنوان ومضمون المقال يفتقران الى الرصانة والموضوعية فمن غير الممكن منطقيا ومنهجيا وبكل المقاييس القيام بتحليل مقارن بين “خطاب وفكر” مرجعيتين كنيستين مهمتين اعتمادا على قراءة لتهنئة يتيمة منهما، مما قادني الى كتابة هذا المقال ليكون قراءة في خطاب وفكر البطريركيتين (وليس البطريركين) الذي انتجتاه واعلنتاه والتزمتاه خلال عقود.
وهي قراءة ستغطي اكثر من محور وبحسب الاهمية والمساحة والوقت المتاح للكتابة، واذا جاء المقال طويلا ومسهبا فانه لتوضيح الامور المطروحة فيه ودعمها بالشواهد، ولكنه يبقى نابعا من حرص ومحبة واخلاص للبطريركيات والبطاركة. واذا تزامن المقال مع الهجمة اللاخلاقية التي تستهدف غبطة البطريرك مار لويس ساكو والتي نستنكرها بشدة فان التزامن تصادف بسبب توقيت نشر مقال السيد رابي واعادة نشره على موقع البطريركية. المقال لم يكن ليكتب اساساً، ليس الآن وليس في قادم الزمان لولا ذلك.
وحيث ان موضوع السيد رابي، والذي من عنوانه استوحينا هذا المقال، يتناول موضوعة الهوية القومية، لذلك ستكون هذه الموضوعة المحور الاول لهذا المقال.
الهوية القومية
بدءاً فان مصداقية اية جهة في ايمانها بما تعلنه وتصرح به وتدعو اليه هو انها ذاتها تلتزم وتمارس وتجسد عمليا ما تدعو اليه اتباعها وقواعدها.
المعروف للمهتمين بموضوعة الهوية هو ان بطريركية كنيسة المشرق الاشورية لها فهم مستقر منذ عقود في هذا الشان، بل ومنذ تناول البطريركيات الكنسية لهذه الموضوعة، وخطابها واضح تعلنه جهاراً وتلتزمه سياقاً ويقوم على: اننا شعب واحد، وأن التسمية الاشورية هي التسمية التاريخية له وتعتمدها للتعبير والتعريف بهذا الشعب الذي تجمعه جميع عناصر الهوية القومية كشعب واحد. وهي تحترم التسميات الاخرى السريانية والكلدانية.
وهو ذات فكر وخطاب الكنيسة السريانية الارثوذكسية التي هي الاخرى تؤمن وتلتزم بثبات باننا شعب واحد وانها تعتمد التسمية السريانية للتعبير والتعريف بهذا الشعب وتحترم التسميات الأخرى.
البطريركيتان الكنسيتان، الآشورية والسريانية، لا تعيشان ازمة هوية ولا تعيشان انفصاما في الشخصية، ولا تعيش تناقضا بين الفكر والممارسة بل على العكس تماما. الهوية واضحة لهما، والمواقف والاعمال والبرامج متوافقة مع هذه الرؤية والهوية وكل من البطريركيتين منسجمة مع ذاتها.
شواهد:
لا يختلف اثنان ان اللغة الأم هي من أهم عناصر الهوية القومية. لذلك نرى الكنيستان والبطريركيتان، الآشورية والسريانية، تلتزمان السريانية لغة رسمية للكنيسة وينعكس ذلك في مجمل البرامج والتصريحات والاصدارات وبخاصة التي تعكس هوية الكنيسة: كلمات البطاركة في يوم التنصيب، مقررات المجامع السنهاديقية، تهاني الاعياد، معظم اللقاءات مع الابرشيات، بل وحتى في التوقيع الشخصي للبطاركة. ناهيك عن تشجيعهما لتعلم السريانية وتعليمها سواء للاكليروس حيث التمكن من السريانية شرط للرسامة الكهنوتية، او لعموم ابناء الكنيسة، وغيرها الكثير من الشواهد التي يضيق بها المقال.
باختصار، السريانية حاضرة في كل تفاصيل المشهد الكنسي للكنيستين الاشورية والسريانية.
في مقابل ذلك، فانه في الوقت الذي تنادي به البطريركية الكلدانية باننا لسنا شعب واحد وتنادي بالهوية القومية الكلدانية (لدرجة اعتبار الاشوريين شعب شقيق كما العرب والكرد (راجع تهنئة البطريركية الكلدانية لاعياد اكيتو لهذا العام))، فاننا نجد ان اللغة القومية الأم (حتى لو سميت كلدانية وليس السريانية او السورث) مفقودة ولو بحدها الأدنى (جمل تحية وشكر قصيرة) في خطابات تنصيب البطاركة الكلدان (على سبيل المثال البطريرك الراحل مار عمانوئيل دلي والبطريرك الحالي مار لويس ساكو)، والسريانية مفقودة، ولو بحدها الأدنى، في المجامع السنهاديقية وتهاني الاعياد وعموم المخاطبات البطريركية التحريرية والشفهية، وغيرها من طرائق التعبير عن الهوية. بل وأن غبطة البطريرك مار لويس ساكو وفي فيديو تداولته وسائل التواصل اعلن ومن على المنبر في خدمة قداس الهي وبكلمات واضحة انه غير سعيد بالسورث.
بل واكثر من ذلك، ففي حين ان البطريركية الكلدانية لا تمانع، بل دعت، الى تعريفنا كمجرد مسيحيين في الاستحقاقات والتعاملات القومية والوطنية، فان البطريركية الاشورية رفضت التعامل معنا كمجرد مسيحيين وتشبثت بطلب اقرار حقوق شعبنا والتعامل معه وتعريفه كمكون قومي كما العرب والكرد.
التسمية القومية
كما أسلفنا فان البطريركية الآشورية لها موقف واضح ورؤية مستقرة باعتماد التسمية الاشورية، لشعبنا وتعتبرها تسمية تضم السريان والكلدان ايضا فهي تؤمن انهم شعب واحد وتجد في عناصر هوية ابناء هذه التسميات ما يؤكد وحدتهم. وذات الشيء للبطريركية السريانية في اعتمادها للتسمية السريانية كتسمية لشعبنا الواحد.
ومن الواضح ان ذلك يعني ان كلتا الكنيستان تؤمنان بوحدة شعبنا والاختلاف هو في اي اسم تعتمد كلا منهما.
اما بطريركية الكنيسة الكلدانية فانها ما زالت تمر بتقلبات ولم يستقر فكرها وخطابها على موقف واضح ومحدد.
أدناه محطات موثقة للبطريركية الكلدانية في موضوعة التسمية:
- في طوال العهد البطريركي للبطريرك الراحل مار روفائيل بيداويذ بقيت تؤمن وتعلن وحدة شعبنا، ولم تكن التسمية مطروحة كموضوع خلافي.
- في رسالة البطريرك الراحل مار عمانوئيل دلي الى مجلس الحكم المؤرخة 22 ك2 2004 تبنى غبطته تسمية كلدو-اشوري لشعبنا وهو اعتراف صريح باننا شعب واحد.
والبطريرك دلي في رسالته الاكاديمية الموسومة، على ما اتذكر، بالمؤسسة البطريركية لكنيسة المشرق يقول في مقدمتها حرفياً: (أن الكلدان والاشوريين تاريخيا يشكلون جماعة واحدة تشترك في تراث ديني ولغوي وعرقي وقومي نشأ في تربة حضارة بلاد ما بين النهرين) انتهى الاقتباس
- في 7 حزيران 2005 عادت البطريركية الكلدانية وبشخص البطريرك دلي نفسه لتعلن تراجعها عن تسمية الكلدواشوري واعتماد الاسم الكلداني منفصلا كما العرب والكرد. وهو انقلاب من الاعتراف بوحدة شعبنا الى انه ليس شعبا واحدا.
- وكذلك في رسالته الى فخامة الرئيس بارزاني في 25 حزيران 2009.
- في حين، وعلى التوازي من ذلك، كان نيافة الاسقف حينها (البطريرك حاليا) مار لويس ساكو يعتمد الكلدو-اشورية. بما يعني اننا شعب واحد وان الاجتهاد هو في مسالة اي اسم نستخدم للتعريف بهذا الشعب الواحد. (راجع رسالة سيدنا مار لويس ساكو الى مجلس محافظة كركوك في عام 2008)
- وبعد توليه السدة البطريركية بقي مؤمنا بوحدة شعبنا وطرح في نيسان 2015 اقتراحا للتسمية من عدة خيارات جميعها تعكس وحدة شعبنا.
- ولاسباب نجهلها انقلب الموقف لتصبح البطريركية الكلدانية في مقدمة الداعين الى اعتبار الكلدان شعب والاشوريون شعب اخر والسريان شعب اخر كما في رسالته الى برلمان اقليم كوردستان في 21 حزيران 2021.
- بل وباتت البطريركية الكلدانية تقدم وتوصف الاشوريين في خطابها كما تقدم وتوصف العرب والكرد وتستخدم مصطلح الشعب الشقيق وضمير الشخص الثالث (الهاء) كما في مقدمة تهنئة اكيتو لغبطة سيدنا البطريرك: (اهنيء قلبيًّا بناتِ وابناءَ الشعب الكلداني العزيز بأكيتو، رأس السنة البابلية الكلدانية الذي يوافق في الأول من نيسان في كل عام. كذلك اهنيء الشعب الاشوري الشقيق الذي يحتفل بنفس التاريخ برأس سنته الاشورية متمنيا له التقدم والازدهار.) انتهى الاقتباس
- وهذا ليس الانقلاب الأول او الوحيد بين مرجعيات الكنيسة الكلدانية، فقد سبقه انقلاب شهير للمطران مار سرهد جمو الذي بالصوت والصورة يقول بنبرة عالية وبفكر واداء واثق اننا شعب واحد وان الكلدان جميعهم اشوريون والاشوريون جميعهم كلدان، لينقلب بعد سنوات ليقول باننا لسنا شعب واحد، بعد المرور بمحطة انتقالية كانت تعتمد التسمية الكلداشورية.
- ما يجدر الاشارة اليه هنا هو ان الكلدان الداعين الى تقسيم شعبنا يبتدعون من حيث لا يدرون اسماء وتعبيرات هي في حقيقتها تعكس معرفتهم العفوية بالحقائق وايمانهم الباطني باننا شعب واحد، ذلك عندما يسمون الاشوريين بانهم كلدان متاشورون.نكرر القول حمدا لله ان الكلدان الداعين والمنادين بتقسيم شعبنا وانكار وحدته هم اقل من ان نسميهم اقلية، وحمدا لله انهم في المهاجر وليس الوطن. فالاكثرية المطلقة من الكلدان، افرادا ونخبا واكليروس ومؤسسات في الوطن والمهجر يؤمنون قلبا وعقلا ويمارسون عملا وفعلا وحدة شعبنا، ونتمنى على البطريركية الكلدانية ان تقف مع الاكثرية، خاصة وان البطريركية، بشخص بطريركها، هي اكثر من يعرف اننا شعب واحد.
ملاحظة: استغربت كثيرا من مبالغة البعض في تفسيره لمصطلح استخدمه البطريرك مار آوا في تهنئة راس السنة حين اورد مصطلح (ܐܘܡܬܐ ܢܝܢܘܝܬܐ) وترجمتها (أمة نينوية) حيث حملوها ما لا تتحمله واعتبروا انه يبتدع اسما جديدا وغيرها. فبدءا نقول ان هؤلاء يبدون لي لا يقراوا السورث ولذلك لم يسبق لهم المرور على هذا المصطلح المجازي حين اورده البطريرك الراحل مار دنخا في رسالتين او ثلاثة له لانها لم تترجم للعربية وهؤلاء لا يجيدون السورث ليقرأوها. المصطلح ليس اسما جديدا فكنيسة المشرق لم ولا تبشر او تطلق اسماء جديدة بل هو تعبير مجازي كما نقول ابناء الرافدين او ابناء بابل او احفاد احيقار وهكذا.
الخلط بين القومي والكنسي:
منذ بدايات النهضة القومية لشعبنا مع بدايات القرن العشرين، والتي التزمت الاشورية او السريان الاشوريين في ادبياتها كونهما التسميتان المعروفتان والمقبولتان كتسميات قومية لشعبنا بين ابناءه ومع المحيط المحلي والاقليمي والدولي، كان رواد هذه النهضة، مفكرين ونخب ومؤسسات، يفصلون فصلا واضحا بين الانتماء والهوية القومية وبين الانتماء والهوية الدينية. وهذا لم يكن بدعة ابتدعوها بل حقيقة ادركوها كما ادركتها من قبلهم النهضات القومية للشعوب الاخرى.
وهذا التمييز تجسد لاحقا في الفصل بين المرجعيات القومية والمرجعيات الدينية فلكل منهما دورها المرجعي في شانها القومي او الديني وليس في الشان الآخر، دون ان يكون ذلك بالضرورة صداما او صراعا بل تكاملا يقوم على الاحترام المتبادل رغم وجود حالات ومواقف تباينت واختلفت فيها المرجعيتان.
صحيح ان المرجعية البطريركية الاشورية بقيت تقدم نفسها، وباتفاق المرجعيات العشائرية لابناء الكنيسة الاشورية، مرجعية قومية سياسية قبل واثناء الحرب الاولى وبعدها الى مذبحة سميل 1933، إلا انه ومنذ حينها انتهت هذه الازدواجية لاسباب مختلفة من بينها تصاعد الوعي القومي والسياسي وهيكلته في أطر مؤسساتية مدنية وتوسع مساحته ليشمل مساحات جغرافية وجماهيرية واسعة وعابرة للمذاهب ممن التزموا قضية شعبنا والمؤمنين بوحدته ولم تكن التسمية عامل تمزيق له.
من حينها والى اليوم والبطريركية الاشورية، ورغم ما سبق ايراده من تشبثها بالهوية القومية، ومن مترتبات ذلك دعمها للمطالبات بالحقوق القومية لشعبنا، فانها لم تعلن او تمارس دور المرجعية القومية، بل كانت دائما تعطي هذه المرجعية للمؤسسات القومية المدنية من احزاب ومؤسسات ثقافية وغيرها.
فلا البطريركية الاشورية ادعت يوما انها مرجعية للمؤسسات الاشورية السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها، ولا هذه المؤسسات ولا النخب الفكرية الاشورية ادعت ان المرجعية البطريركية هي مرجعية لها او للشأن القومي. في حين نرى ان شعبنا من الكلدان ما زال يخلط بين الانتماءين وبالتالي المرجعيتين: البطريركية الكنسية، والمؤسساتية المدنية.
فرغم ان غبطة البطريرك ساكو في اكثر من مقال او تصريح يؤكد ان البطريركية الكلدانية ليست مرجعية للمؤسسات الكلدانية المدنية، إلا ان الخطاب البطريركي ليس بهذا الوضوح عندما يتعلق الامر بمن هو الكلداني، بمعنى اقتصاره على ابناء الكنيسة الكلدانية وتطابق حدود الكنيسة مع حدود الكلدان.
اما بين المؤسسات والنخب الكلدانية فان الخلط بين القومي والديني الكنسي ما زال يتحكم بخطاب النخب الكلدانية، وتحديدا الملتزمة خطاب ان الكلدان والسريان والاشوريين ليسوا شعبا واحدا، وأحد هؤلاء هو السيد رابي الذي استوحينا عنوان ومضمون مقالنا من عنوان مقاله المشار اليه.
أدناه اقتباس من تعقيب للسيد رابي على مقال للسيد سلام مرقس على موقع عنكاوة بعنوان (لماذا التدخل في شؤون شعبنا الكلداني يا آثوريين؟):(فرجل الدين الاثوري الذي ذكرته، ……، وحتى لو وُجهت له دعوة من عناصر معينة، كان عليه الاعتذار ويوجههم نحو اللجوء الى رئيسهم الروحي). انتهى الاقتباس
وأدناه اقتباس من أصل المقال، حيث يقول السيد سلام مرقس:
(اول تلك الظواهر الغير مقبولة والمخالفة للاعراف والاصول والبروتوكولات وحتى ابسط التقاليد الاجتماعية هو تصرف (احد كبار رجال الدين في احدى الكنائس في العراق) من الاثوريين، ….. والذي قَبل دعوة من احدى الجهات (ثمانية شباط) وقام بزيارة جماعة الكلدان من غير الاستئذان لا من رئيس الكنيسة الكلدانية (الصرح البطريركي) ولا من رئيس الكنيسة الكلدانية في فرنسا) انتهى الاقتباس
(لتوضيح الأحداث والاقتباسات فان احدى مؤسسات شعبنا القومية في باريس ولمناسبة اعتراف البرلمان الفرنسي بمذابح السيفو اقامت امسية خاصة وجهت الدعوة اليها الى مرجعيات كنسية مختلفة، احداها البطريرك مار آوا الى جانب اخرون من الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية، ومرجعيات وشخصيات سياسية وحكومية واكاديمية. وقد لبى البطريرك مار آوا هذه الدعوة. السيدان مرقس ورابي ممتعضان ويستنكران تلبيته الدعوة وانه كان عليه الاستئذان من البطريركية الكلدانية لحضور نشاط لا علاقة له بالانشطة والمناسبات الكنسية الكلدانية كالرسامات او القداديس التي تتطلب بالتاكيد استئذان المرجعيات الكنسية المعنية. “منطق” يتجاهل المنطق.
السيدان سلام ورابي (مثالان من عدة أمثلة نحمد الله انها مهجرية) يقدمان بكلمات وعبارات واضحة لا لبس فيها ان البطريرك مار ساكو مرجعية لمؤسسة مدنية في باريس. انه نتاج الخلط بين القومي والكنسي.
اهمس في اذن أهلي الكلدان، وانا احدهم، (أو كما نقول بالعراقي اغششكم) بنصيحة مجانية:
اختياركم للبطريركية الكلدانية مرجعية للمؤسسات المدنية السياسية او الثقافية او الاجتماعية هو دليل انكم في عقلكم الباطني تعتبرون وتشعرون وتمارسون ان الكلدانية مذهب كنسي. وبذلك تعطون لبعض الاشوريين المتطرفين المحاربين سلاحا يحاربوننا فيه في هذه الحرب اللعينة.
السيد رابي زعلان لان البطريرك مار اوا لم يستاذن البطريرك مار لويس ساكو في تلبية دعوة لمؤسسة قومية مدنية. الا يعني هذا يا سيد رابي، وانت الشخص الاكاديمي، انك تعتبر البطريرك، وبحكم مرجعيته الكنسية، مرجعية لمؤسسة مدنية. والا يعني ذلك أن الكلدانية عندك تتطابق حدودها مع الانتماء الكنسي المذهبي.
قليلا من المنطق والانسجام مع الذات يا اخوان.
خيارنا نحن الكلدان في هذا الموضوع هو إما ان نحذو حذو الاشوريين ولا نعتبر البطريركية مرجعية لعملنا القومي المؤسساتي ونقول لللبطريرك عفوا سيدنا لك منا كل الاحترام، ولكن مرجعيتكم الكنسية، مع كل الاحترام لها، لا تجعلكم مرجعية عليا لشأننا القومي، وانكم إبن بار لهذا الشعب وبالتساوي مع جميعنا، مع حفظ كل الاحترام لشخصيتكم ومكانتكم البطريركية. او ان نقول علنا ما نعيشه باطنيا باننا نحن معشر الكلدان طائفة مذهبية كنسية مرجعيتها هي البطريركية الكلدانية. انه خيارنا فلنختار.
وذات الشيء للبطريركية الكلدانية ان تختار احد امرين. فاذا اعتبرت وآمنت فعلاً، لا قولاً، ان الكلدانية انتماء قومي فعليها ان تتخلى عن تصوير نفسها بشكل مباشر او مبطن بأنها مرجعية عليا للمؤسسات الكلدانية. أو أن تختار ممارسة دورها كمرجعية كنسية مع حقها الطبيعي بابداء الراي والموقف كاي من ابناء شعبنا الكلداني.
لنشاهد هذا التسجيل الفيديوي من موعظة المطران مار ابراهيم ابراهيم على منبر الكنيسة لمناسبة انتهاء اعمال المؤتمر القومي الكلداني العام في 2013 حيث الى جانب وضعه وبكلمات صريحة للاشوريين والسريان مع الكرد والعرب والتركمان كقوميات مختلفة عن الكلدان، فانه يطابق مطابقة تامة الانتماء القومي الكلداني مع الانتماء الكنسي الكلداني.
واسمحوا لي ان اضيف من الشعر بيتاً وبمحبة واخلاص صادقين ليس من انسان غريب او شخص شقيق بل من انسان ملتزم قضية شعبه بكل تسمياته، فانا كلداني مثلما انا سرياني ومثلما انا اشوري، بل واقول أنا اكثر كلدانية من الكثير من المرجعيات والنخب الكلدانية، فانا تعلمت وعلمت السورث، وقرات وكتبت ونشرت بالسورث، وادعو الجميع لذلك، واسماء اولادي جميعها بالسورث (أترن، هدرا، يترانا، ايتوتا) وتوقيعي بالسورث وووو (الأمر الوحيد الذي ينزع مني كلدانيتي هو اذا كانت الكلدانية محصورة بمؤمني واتباع الكنيسة الكلدانية)، فاقول ككلداني:
انتقالنا من العروبة الى الكلدانية ومن التعريب الى الكلدنة خطوة الى امام لاسترجاع الهوية والحفاظ على ما تبقى منها، ولكن الغير المفهوم هو ان خطة عمل كلدانيتنا لا تتضمن برامج واعمال بهذا الاتجاه وهذا الهدف، شخصيا أنا مستعد للمساهمة بامكاناتي المتواضعة في هكذا برنامج.
فللاسف الذي نشهده أن برامج كلدانيتنا محصور فقط بالصراع والحرب والمناكفة مع آشوريتنا.
فاولويات برنامج كلدانيتنا هي:
مخاصمة (لكي لا نقول معاداة) وانهاك الاشورية اولا، مخاصمة وانهاك الاشورية ثانيا، مخاصمة وانهاك الاشورية ثالثا، وربما دعم وتعزيز الكلدانية رابعا.
هذه المخاصمة والانهاك من بعضنا الكلداني لعمومنا الاشوري لا مبرر لها مطلقا. (نحمد الله مرة أخرى انها مهجرية والوطن منها براء)
و”التبرير” الذي يتم تسويقه بانها رد فعل على ان الاشوريين يلغون الكلدان ليس تبريرا منطقيا ولا مقبولا. فلا يجوز مخاصمة عموم الاشوريين بسبب بعضهم ممن يلغون الكلدان. وطبعا الالغاء هنا هو ان هؤلاء الاشوريين يرفضون التسمية الكلدانية ولا يرفضون الكلدان، فهم يؤمنون ان الاشوريين والكلدان والسريان شعب واحد ويعتمدون ويحصرون التسمية بالاشورية. ادناه الرابط الى مقال لي بهذا الشأن:
https://etota.net/articles-books/articles/patriarch-sako-dont-punish-us/
وأختم هذا الجزء من المقال بالسؤال: لماذا لا نستثمر نحن الكلدان في الارث السياسي والثقافي والفني القومي لشعبنا من الاشوريين؟ فهم منا ونحن منهم، وهم نحن ونحن هم.
أليس استيقاظ كلدانيتنا احدى ثمار العمل القومي الاشوري الذي نقلنا من اللامبالاة بالهوية والتماهي مع العروبة والتعريب الى البدء بالبحث عن الهوية القومية؟
فلنجعله قيمة اضافية ويكون استيقاظاً لماردنا الكلداني وليس لمعولنا؟
الجزء الثالث في نهاية الاسبوع:
- بين الشأن العام واالانغماس السياسي
- الاعلام والتعامل مع الآخر
- الحضور والمؤسسات
- تمنيات واقتراحات مخلصة الى بطريركيات شعبنا
ونقاط أخرى
الخوري عمانوئيل يوخنا
نوهدرا 7 أيار 2023