Home / Articles/Books / Articles / قراءة في فكر وخطاب بطريركيتي الكنيستين الكلدانية والمشرق الاشورية الجزء الثالث

قراءة في فكر وخطاب بطريركيتي الكنيستين الكلدانية والمشرق الاشورية الجزء الثالث

قراءة في فكر وخطاب بطريركيتي الكنيستين الكلدانية والمشرق الاشورية

“من وحي مقال منشور”

الجزء الثالث

قبل الدخول الى متن المقال بجزءه الثالث اجد الحاجة لايراد عدة نقاط:

أولا: المقال بما ورد في اجزاءه ينبع من الحرص على جميع البطريركيات والمرجعيات الكنسية لشعبنا، ومن بين مترتبات هذا الحرص ابداء الراي الذي قد يختلف احيانا مع ما تراه هذه المرجعيات. شخصيا لا افهم الحرص بانه القبول والاتفاق مع كل ما يقوله من انا حريص عليه. أنا ارى ان الحرص الواعي والمسؤول هو ابداء الراي المختلف ايضاً.

ثانيا: لم يكن المقال ليكتب لولا قيام موقع البطريركية الكلدانية الرسمي بنشر مقال السيد عبدالله رابي الموسوم (شتان ما بين فكر وخطاب البطريركين (مار ساكو ومار آوا) في كلمة تهنئتهما بمناسبة اكيتو) بعد ساعات من نشر السيد رابي له على موقع عنكاوة، بما يعني اتفاق البطريركية مع المقال وتسويقها له رغم افتقاره للموضوعية والمنهجية.

ثالثا: افتقار مقال السيد رابي للموضوعية واضح من عنوانه، ناهيك عن مضمونه، من حيث كيف يمكن له ان يقارن ويحلل “فكر وخطاب” البطريركين من رسالة تهنئة بروتوكولية لهما. من هنا جاء مقالي، وهو ليس رد على مقال السيد رابي بل اسمه مستوحى من مقال السيد رابي، ليكون قراءة متواضعة في خطاب وفكر البطريركيتين وليس البطريركين.

رابعا: المقال وما يرد فيه ليس بالضرورة رأي الكنيسة التي انا اكليروس فيها ولا راي المنظمة التي انا اديرها، وانما هو راي شخصي بالمطلق.

خامسا: تريثت في نشر هذا الجزء بانتظار هدوء التراشق الاعلامي الذي ساد المشهد “المسيحي” بين البطريركية الكلدانية وكتائب بابليون على خلفيات سياسية متعلقة بالكوتا المسيحية واتهامات فساد كان الاجدر الرد عليها عن طريق القضاء. تراشق كشف، من بين ما كشف، الافتقار الى الحرفية في العمل المؤسساتي والأداء الاعلامي لشعبنا مع قضاياه (شخصيا لست متفاجئا). تراشق ساد مشهده اساءات لا مقبولة ولا تليق بالمشهد المسيحي.

للاسف نقول: اهلا بكم في العراق حيث الاساءات والتسقيط اللااخلاقي صفة ملاصقة للكباش السياسي.

نتمنى انتهاء التراشق خاصة بعد دخول مستشار الأمن القومي، السيد قاسم الاعرجي، على الخط وزيارته لغبطة البطريرك ساكو والسيد ريان الكلداني في نفس اليوم، فالسيد الاعرجي معروف بحكمته في معالجة هكذا كباشات.

عودة الى مقالنا في جزءه الثالث:

الجزء الاول:

https://etota.net/articles-books/articles/assyrian-and-chaldean-patrirachtes-p1/

الجزء الثاني:

https://etota.net/articles-books/articles/assyrian-and-chaldean-patrirachtes-p2/

بين الشأن العام واالانغماس السياسي

لا يختلف اثنان في الحق المطلق للكنيسة لابداء الراي والموقف، اتفاقا او اختلافا او تحفظا او تنديدا، بشان مجمل الامور التي تمس حياة الافراد والجماعات، ومنها الامور السياسية والاقتصادية كالحروب والاضطهادات والمظالم والتنمية الاقتصادية ومحاربة الفقر والمرض وغيرها، مرورا بقضايا اخلاقية كالاعدام والاجهاض والمثلية الجنسية وغيرها. والكنيسة تمتلك هذا الحق المطلق من كونها تحمل رسالة يشكل الانسان وكرامته محورها وهدفها.

كما لا يختلف اثنان انه ليس من شأن الكنيسة في تناولها للشأن السياسي العام أن تنغمس في تفاصيله وتتحول الى جهة او مرجعية سياسية شأنها شأن الاحزاب والتنظيمات السياسية، وهذا ينقلها، بالضرورة وكنتيجة طبيعية، الى طرف في الصراعات السياسية والتي في الكثير من الدول، من بينها العراق، تفتقر العديد من ممارساتها الى الاخلاقيات والاحترام المتبادل للرأي والرأي الآخر فتدفع الكنيسة من صورتها وهيبتها وقيمها ومكانة مرجعياتها الثمن الباهظ.

ورغم ان الحدود واضحة بين ابداء المواقف في الشان العام واحترافه والانغماس فيه، إلا انه، وللاسف الشديد، فان مراعاة هذه الحدود تكون مفقودة في العديد من الاحيان.

وهذه هي احدى نقاط قراءتنا في هذا المقال لخطاب وفكر البطريركيتين الاشورية والكلدانية.

فالبطريركية الاشورية ومنذ عقود، وتحديدا منذ مذبحة سميل 1933 وما رافقها ولحقها، ومع توسع ونمو المد والوعي القومي وتأطره في مؤسسات قومية سياسية وثقافية مدنية عابرة للمذاهب الكنسية، تراجع دورها وتنازلت طوعا عن تقديم نفسها مرجعية قومية سياسية مع بقاءها ملتزمة بالهوية القومية وداعمة للعمل القومي ومؤسساته الثقافية والمجتمعية والتزام الحياد تجاه الاحزاب السياسية وتوجهاتها وتحالفاتها.

فالمتابع للمشهد السياسي لشعبنا في العراق، ومنذ 1991 ولاحقا بعد 2003 يرى مدى الدعم الذي قدمته الكنيسة في خطابات بطريركيتها للفعل والحضور الاشوري في المشهد السياسي وحثها لابناء الكنيسة للانخراط والتفاعل مع الشأن السياسي القومي والوطني، وبخاصة الانتخابات المتعاقبة، ولكنها لم تتدخل يوما في تفاصيل ذلك من حيث الترشيحات البرلمانية او الوزارية (في الاقليم والمركز)، او من حيث الاعلان في الفضاء العام مواقف داعمة او مختلفة مع هذا التنظيم او ذاك، مثلما لم تعلن تحفظاتها على اداء الاحزاب من القضايا القومية والوطنية او من علاقات الاحزاب مع بعضها او شكل تحالفاتها مع الاكثريات وغيرها، حيث حصرت ذلك في التواصل المباشر، خاصة وان البطريركية الاشورية، كما بقية البطريركيات والمرجعيات الكنسية، تستقبل بشكل مستمر صناع قرار هذه الاحزاب مما يتيح الجو المناسب للطرفين للحوار وابداء الراي والملاحظات وشرح المواقف، دون الحاجة الى الفضاء العام والمنابر الاعلامية لما يؤديه ذلك الى اضعاف هذه الاحزاب وزعزعة دورها وهو امر يفتقر الى المسؤولية. فعدم الاتفاق مع الاحزاب ومواقفها واداءها لا يلغي البتة اهميتها ودورها مما يتطلب الحرص عليها ومشاركة الملاحظات معها وليس النيل منها وتسقيطها، او تاجيج صراعاتها عبر تزكيات او اصطفافات في الفضاء العام. ناهيك عن ان هكذا اداء اعلامي في حال حصوله يؤثر سلبا على المرجعية الكنسية ذاتها وموقعها بين ابناء كنيستها ونظرتهم اليها.

اذا ما قامت أية مرجعية كنسية بتناول اداء احزاب شعبها والانتقاص منهم بمسمياتهم في الفضاء العام، انما تكون بأحد أمرين: فاما الافتقار الى الحكمة والمسؤولية او السعي للدخول كطرف سياسي كما بقية الاحزاب والانخراط في صراعاتها المعلنة.

البطريركية الاشورية لم تسع الى الوصاية على الاحزاب ولا الى التدخل في خياراتها وتحالفاتها ولا الى تسمية المرشحين للبرلمان او الوزارة او المناصب الادارية، وهذا لا يلغي حقيقة انها تراقب وتتابع وتقيم الامور وتشارك ملاحظاتها واراءها مع هذه الاحزاب في لقاءات مغلقة بعيدا عن الاعلام.

وهذا الموقف والاداء المسؤول ليس مقتصرا على البطريركية الاشورية وحدها، مثلما هو ليس مقتصرا على المشهد العراقي، فهو الاداء الذي تلتزمه كل البطريركيات الحكيمة التي تدرك حدود دورها من جهة وتحترم شعبها من جهة أخرى ومن بينها البطريركيات التي لها ابرشيات وازنة في العراق كالسريان الارثوذكس والسريان الكاثوليك. وكما هو ايضا اداء البطريركية المارونية والتي يدرك الجميع مكانتها ودورها.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، ادناه الرابط الى جواب البطريرك الراعي عندما اقترح عليه الاعلام التدخل لترشيح وزيرين مسيحيين لحل الازمة السياسية التي كانت قائمة حينها بين الرئيس اللبناني، ميشيل عون، ورئيس الوزراء المكلف، سعد الحريري. لنستمع الى صوت الحكمة والمسؤولية وهو يقول حرفيا: (أكيد أكيد لا. مش شغلتي. أنا مش شغلي لا اسمي وزراء ولا شغلتي احدد وزارة)

وأدناه مقتبس من مقال لي بهذا الشأن ومنشور على هذا الموقع بعنوان: (غبطة البطريرك الكاردينال الراعي: كم تمنيتك بطريركا في العراق)

“بكركي لم تكن جزءا من المشكلة بل كانت دوما جزءا من الحل، إن لم تكن كل الحل.

بكركي لم تطرح نفسها يوما بديلا لاحزاب موارنة ومسيحيي لبنان.

بكركي لم تطرح نفسها يوما بديلا عن نواب الموارنة ومجلس النواب اللبناني.

سيد بكركي يتعامل بحكمة ومسؤولية بالشان السياسي ولكنه لم يدخل يوما في بازار السياسة بل ترفع عن ذلك، لانه ارفع من اي بازار.

سيد بكركي لم يتخندق او يمايز يوما بين احزاب شعبه ولم يصب الزيت على نيران الصراع بينها بل على العكس من ذلك كان صمام الامان و”رجل الاطفاء”.

سيد بكركي لم يسع يوما لاضعاف احزاب شعبه او يشمت بضعفها. بالعكس تماما، لانه يدرك تماما ان ضعفها يعني ضعفه، مثلما قوتها تعني قوته.

سيد بكركي لم يوظف صراعات احزاب شعبه ليتجاوزها او ليلغيها. بالعكس تماما، وظف حكمته وهيبته ومرجعيته وقوته من اجل جمعها على المشتركات وتقويتها.

سيد بكركي لم يرشح رئيس جمهورية، ولا زكى وزيرا، بل كان راعيا ومشجعا ومسهلا لاتفاق وتوافق الكل.

سيد بكركي بقي ناصحا حكيما ومرشدا موثوقا من الكل، وبذلك استطاع ان يكون أبا للكل، وكسب ثقة واحترام الكل حيث لا يذكر اسمه وموقعه إلا بالمآثر الكبرى والاحترام والهيبة التي يستحقها.” انتهى الاقتباس

في المقابل نجد ان البطريركية الكلدانية انغمست ومنذ 2003 في تفاصيل العملية السياسية بمختلف المستويات والمراحل والاشكال بما فيها اصطفافات “لكي لا نقول تحالفات” سياسية مع هذا الطرف مقابل اخر وغيرها.

حتى يمكن القول الى حد ما وبصيغة او باخرى ان البطريركية الكلدانية تسعى الى سلطة زمنية تراجعت عنها البطريركية الاشورية بعد 1933.

دخول البطريركية الكلدانية طرفا في تشكيل القوائم الانتخابية او الترشيحات الوزارية ليس اكتشافا نعلنه او سرا نذيعه. الجميع يدرك ذلك، بل ان غبطة البطريرك ساكو قالها في اكثر من مناسبة انه يُطلَب منه تقديم او دعم ترشيحات فيفعل. في حين ان عليه ان يرفض ذلك ويحيل الموضوع الى الاحزاب والكتل النيابية والجهات المعنية (والكنيسة حتما ليست من بينها). من الجلي أن غبطته يرغب تولي مهمة الترشيح، وفي العديد من الاحيان يبحث عنها.

أدناه بعض من هذه المواقف والاصطفافات على سبيل المثال لا الحصر:

1- في انتخابات الجمعية الوطنية العراقية عام 2005 كان اصطفاف البطريركية الكلدانية معلنا مع قائمة الرافدين الوطنية حيث تضمنت القائمة مباركة” البطريرك دلي بادراج توقيعه مع تواقيع رؤساء الاطراف المشاركة في القائمة. (الصورة 1) هل هناك تفسير آخر للـ”مباركة” البطريركية التحريرية لقائمة دون غيرها؟

2- في انتخابات 2018 كان للبطريركية مرشحيها ضمن قائمة ائتلاف الكلدان التي كانت البطريركية محور تشكيلها وتاليفها، حتى يمكن القول ان تأليف القائمة لم يكن ليتحقق لولا دور البطريركية.

3- وفي انتخابات 2021 لم تكن فيها البطريركية طرفا مُرشِحا فحسب بل طرفا محاورا ومفاوضا في انجاز قائمة ائتلاف حمورابي وصياغة برنامجها، وكان اصرارها على رفض الاشارة الصريحة الى وحدة شعبنا سبب انسحاب جهات سياسية من الائتلاف. أدناه اقتباس من تصريح الحركة الديمقراطية الاشورية عن كلمة البطريرك ساكو في مؤتمر عن الوحدة والدستور نظمته جامعة كوردستان في اربيل في 19 ايار 2021 تحدث فيها سلبيا عن الاحزاب والبرلمانيين “المسيحيين” مما تطلب من الحركة اصدار التصريح الذي نقتبس منه:

“في الحقيقة إن أبينا البطريرك رشح في الانتخابات الماضية عام ٢٠١٨ ستة مرشحين  ضمن ائتلاف الكلدان ولم يفوز اي منهم. وعاد غبطته ليرشح شخصيتان للانتخابات القادمة (المقصود 2021) وهما (مستشاره الشخصي في بغداد ورئيس الرابطة الكلدانية كركوك ضمن تحالف حمورابي” انتهى الاقتباس

هناك من يرى ان ما تضمنته كلمة غبطته عن الاحزاب والبرلمانيين المسيحيين كانت جزءا من الحملة الانتخابية لقائمة حمورابي حينها والتي تضمنت مرشحي البطريركية على مقعدي كركوك وبغداد للكوتا.

التصريح الكامل للحركة منشور على الرابط 1.

4- وكذا الامر مع الترشيحات الوزارية والادارية والحكومية.

ونكتفي بهذا المثال لما ترتب عليه من مواقف وصراعات تتجلى تداعياتها في المشهد الحالي بين البطريركية وبابليون. فبعد انتخابات 2018 وفوز بابليون بمقعدين من مقاعد الكوتا والمجلس الشعبي بمقعدين وقائمة الرافدين بمقعد واحد، بادرت البطريركية بدعوة نواب الكوتا الى عشاء في مقرها في 24 أيلول تجاوب معها وحضرها نواب بابليون (واحدهم السيد اسوان كلداني) والمجلس الشعبي، فيما لم يحضر عضو قائمة الرافدين.

كانت مبادرة ودعوة اثلجت الصدور وكان متوقعا لها ان تكون خطوة الى تنسيق جهود الجميع لصالح شعبنا وكل ضمن مجاله وقدراته. ورحبت بها كتلة بابليون. ولكن ماذا الذي حصل لاحقا؟

لم تكن تمضي عدة اسابيع ومع بدء تشكيل السيد عادل عبدالمهدي لحكومته حتى قامت البطريركية بترشيح السيدة هناء عمانوئيل للوزارة دون التشاور مع نواب الكوتا الذين كانت قد دعتهم الى العشاء!!!!

خطوة رأى فيها نواب الكوتا التفافا عليهم وسلبا لحقهم فهم من سيقرر تمرير الترشيح في البرلمان من عدمه.

فكان ان اجمعت الكوتا على اسقاط ترشيح السيدة هناء، وبذلك انتهت مفاعيل العشاء وانكسرت من حينها الجرة وتشظت وما زالت شظاياها تصيبنا وتجرحنا في الاعلام وساحة التحرير ووسائل التواصل وغيرها.

صحيح ان بدايات جذور ونشأة الخلاف بين سيدنا ساكو (المطران حينها) والسيد ريان كلداني تعود الى الخلافات حينها بين سيدنا ساكو والمطران سرهد جمو الذي رحب وسوق للسيد ريان كلداني فان الخلاف تعمق مع ازدياد نفوذ وقدرات السيد ريان. واذا كانت دعوة العشاء اعلاه بادرة كان ممكنا لها ترميم الامور فان ترشيح السيدة هناء دون التشاور والتنسيق مع الكوتا وبالتالي اسقاط ترشيحها قصم العلاقة الى غير رجعة.

فالمشهد والتراشق الحالي بين البطريركية وبابليون ليس وليد اللحظة وليس وليد مقابلة البطريرك في برنامج (بالثلاثة) على قناة الشرقية في 19 نيسان 2023. كما ليست تهم العقارات مادة التراشق الوحيدة، فالكوتا والتحكم بها هي القضية الاساسية خاصة ونحن على اعتاب انتخابات قادمة في هذا العام.

المشهد سياسي بامتياز من حيث المضمون (الكوتا) والاطراف (البطريركية وبابليون) والوسائل (بيانات وتصريحات وبرقيات ووقفات وغيرها) كما في كل سجالات الاطراف السياسية العراقية، ومن بينها احزاب شعبنا.

والمشهد ليس محصورا ببعد واحد هو الاساءات الى غبطة البطريرك وهي اساءات مدانة قطعا.

المشهد ابعد واعمق من ذلك حيث له مضامين وابعاد سياسية وهو نتاج للانغماس السياسي للبطريركية الكلدانية.

فلو كان محصورا بالاساءة الى شخص غبطته فلماذا لم نجد هذا المشهد عند الاساءات الى المقدسات المسيحية والى شخص قداسة البابا على مواقع التواصل عند زيارته الى الموصل؟

واذا كان المشهد محددا بالاساءة الى شخص غبطته والاتهامات له بشان العقارات دون مضامين ودوافع سياسية فلماذا لم يحصر باجراءات قضائية مع تصريح اعلامي وحيد من البطريركية؟

واذا كان المشهد خاليا من المضمون والانغماس السياسي فلماذا لم ينعقد المجمع السنهاديقي الكلداني؟

كيف يتم اعتبار المشهد ازمة او قضية وطنية ويتم التلويح بطلب التدخل الدولي فيها، ولكنها لا تعتبر قضية كنسية تستحق انعقاد السينودس لبحثها!!! التفسير الوحيد هو ان القضية سياسية المضمون والشكل وليست شان سنهاديقي يمس كل الكنيسة بل شأن بطريركي يخص شخص البطريرك. بل ونرى ان الاسقف سيروب، وهو احد اعضاء المجمع، يكتب بوضوح وبعبارات لا لبس فيها ان المشهد هو سياسي المضمون والشكل.

واذا كان الامر خاليا من المضمون والشحن السياسي، فلماذا لم تنحصر وقفة الراهبات الى صلاة في الكنيسة؟ ولماذا يتم اخراجهن في وقفة في ساحة التحرير وسط بغداد مع لافتات عن الكوتا المسيحية في مشهد يتطابق، شكلا ومضمونا، مع المظاهرات السياسية لحزب ابناء النهرين والزوعا في 30 تموز 2018 امام البرلمان في اربيل.  

يقول الكتاب المقدس: لا ترموا جواهركم امام الخنازير.

تقول البطريركية، وهي صادقة في ذلك، ان بابليون لها مال سياسي توظفه في كسب الاتباع والموالين. ألم تتوقع البطريركية انه باعلانها في الاعلام عن مكان وتوقيت وقفة التضامن مع غبطته في ساحة التحرير فانها تدعو بابليون الى وقفة مضادة معروفة المضمون والشكل وفي نفس المكان والزمان مما يتطلب (وهذا الذي حصل) تدخل قوات الامن في مشهد مسيء الى الكنيسة قبل كل شيء وفوق كل شيء.

ان كنا ندري فتلك مصيبة، وان كنا لا ندري فالمصيبة أعظم.

انها السياسة التي من يدخل بحرها عليه ان يتوقع ملاطمة الامواج له، ولكنها، وللاسف، مكيافلية السياسة حيث الغاية تبرر الوسيلة.

الاختلاف في الخطاب والاداء للبطريركيتين الاشورية والكلدانية في الشان العام والانغماس السياسي يتضمن اختلافات اخرى من بينها انه في حين ان البطريركية الاشورية لم تسع الى خلق واجهات سياسية لها فان البطريركية الكلدانية خلقت الرابطة الكلدانية لتكون واجهتها السياسية. وبالنتيجة فانه في حين لم تدخل البطريركية الاشورية في اية اصطفافات سياسية فان البطريركية الكلدانية، كما سبق ايراده، دخلت في اصطفافات سياسية مع الزوعا حينها، ولاحقا مع الديمقراطي الكردستاني (قائمة حمورابي 2021) وهذا امر معروف في العمل السياسي بان تتبدل الاصطفافات مع تبدل موازين القوى وامكانات تحقيق اصطفافات مع اطراف اقوى.

كما نتلمس الاختلاف جليا في ان البطريركية الاشورية لم تكن يوما طرفا في السجالات بين احزاب شعبنا، بعكس البطريركية الكلدانية التي كانت طرفا في عدد من السجالات مع احزاب شعبنا ومن بينها الاحزاب الكلدانية (مع المجلس القومي الكلداني مثالا).

وتشمل دائرة الاختلاف أيضا قضايا ووقائع حصلت لشعبنا في تاريخه المعاصر وكان لها التاثير الكبير على وجوده وديموغرافيته ومستقبله، وفي مقدمتها مذابح السيفو عام 1915. ففي الوقت الذي تستذكر فيه الكنيستان والبطريركيتان الاشورية والسريانية مذابح السيفو وشاركت في اقامة النصب التذكارية لها او الاحتفاء بها فان البطريركية الكلدانية اعتبرتها حدث من التاريخ ووصفتها بصيغة تضمنت التبرير بانها احداث تحصل في الحروب وانه لا يجب تحميل تركيا ذلك، في حين ان البابا فرنسيس نفسه وفي زيارته لتركيا ادانها على انها جرائم ابادة.

خلاصة هذا المحور من القراءة في خطاب وفكر واداء البطريركيتين الاشورية والكلدانية هو انه في حين ان كلتاهما تمارس حقها في ابداء الراي والمواقف من الشان العام والقضايا القومية والوطنية التي تخص عموم الشعب والوطن، وبشكل خاص التي تهم شعبنا، فان البطريركية الاشورية تدرك وتمارس انها ليست مرجعية قومية بل مرجعية كنسية تتفاعل وتحتفل وتستذكر المناسبات القومية كاية مؤسسة اخرى، وتلتزم قولا وفعلا بعدم الانغماس في العمل السياسي وتفاصيله فهي تعتبره واجب المؤسسات والاحزاب السياسية، في حين ان البطريركية الكلدانية انغمست، وما زالت، في الفعل السياسي متدرجة من التاييد والاصطفاف دون المشاركة مع طرف مقابل اخر، مرورا بالمشاركة في الفعل السياسي وطلب المحاصصة من خلال واجهتها الرابطة الكلدانية، وانتهاء بطموح امتلاك اليد العليا في الشان السياسي والتحول الى مرجعية سياسية الى جانب المرجعية الدينية الكنسية، وهو طموح لا اعتقده سيتحقق يوما كونه خارج سياق مسار العصر.

 

الخوري عمانوئيل يوخنا

نوهدرا – دهوك 26 أيار 2023

ملاحظة واعتذار:

كنت قد هيكلت المقال ليكون جزءه اعلاه هو الثالث والاخير، ولكن متطلبات محور (الشان العام والانغماس السياسي) ومع المشهد الحالي انتج مقالا طويلا مما تطلب تاجيل ما تبقى الى جزء رابع واخير للمقال يتضمن:

الاداء الاعلامي والتعامل مع الآخر والشعبوية ونقاط اخرى مع خاتمة بتمنيات على بطريركيات شعبنا

               

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *