زمن الكورونا: زمن للتضامن والتلاحم لا للمزايدة والتصادم
من متابعتي مناشير بعض الاكليروس الكنسي (اساقفة، كهنة) او المؤمنين عن الكورونا والوقاية منه وجدت ان في بعضها مزايدات يحاول القائمون بها تسويق الذات على انهم المؤمنون الوحيدون بكلمة الله والخلاص بابنه يسوع المسيح وفي محاولة لا تخلو من البحث عن البروز و”الشهرة” حتى لو ادى ذلك الى المجازفة بحياة الرعية وابناءها وتعريضهم لخطر الوباء الذي لا يمكن حتى للجاهل ان يتغافل وينكر حقيقته وخطورته وبخاصة في سهولة وسرعة انتقاله.
اقول للبعض:
إتقوا الله في ابناء الكنيسة التي فداها الرب الذي بنفسه قدم لنا القدوة حين قال: لا تجرب الرب الهك.
ادناه بعض ملاحظات ونقاط واسئلة اطرحها بروح المحبة التشاركية:
1- مع تحول العالم الى قرية صغيرة فان الاحترام المتبادل بين الافراد والمجتمعات هو التزام انساني واخلاقي..
احترام ثقافات ومعتقدات ودين الاخرين هو مبدأ اخلاقي وانساني.. الرب لم يمنحنا حق الوصاية على الاخرين ولا الحكم عليهم وما يؤمنون ويعتقدون.
ومن هذا المنظور اتمنى التوقف عن المزايدة بين الاديان والمعتقدات والثقافات الموجودة في هذه القرية العالمية المسماة كوكب الارض. (انا هنا لا اتحدث عن فلان او علان من هذا المعتقد او ذاك، بل اتحدث عن الثقافة والمعتقدات والاديان الجمعية للشعوب والمجتمعات)
2- مع اشتراك كل الكنائس بالايمان المسيحي واعتمادها حقيقة ان التنوع او الاختلاف اللاهوتي والطقسي والقانوني وغيره هو نتاج تراكمي طبيعي للتعددية الثقافية والمجتمعية للمجتمعات المسيحية عبر العالم وعبر تاريخ الفي سنة، وهذا التنوع هو غنى للكنيسة التي تعيش التعددية في الوحدة.
اتمنى ان لا يزايد اكليروس الكنائس على بعض، فان كنا اليوم لا نحترم ونشعر بوحدة الايمان فمتى اذن؟
3- مع مواجهة ابرشيات كل كنيسة من كنائسنا تحديات متماثلة تتطلب وحدة الجهد والعمل ووحدة رسالة الامل والتشجيع التي يمنحها من يفترض كونهم اخوة اعضاء في المجمع السنهاديقي للكنيسة.
اتمنى ان لا يزايد اسقف هنا او هناك على بقية اخوته الاساقفة والاكليروس من كنيسته وتصوير نفسه على انه لوحده حامل شعلة الايمان وانه لوحده من قرأ الكتاب المقدس، وانه وحده من سلم نفسه للرب واثقا.
يؤسفني القول ان العاطلين عن الانتاج من الاكليروس يجدون في هذه الازمة فرصة للظهور، فالمعروف ان البطالة تقود الانسان لملء فراغه بشتى الطرق وبحسب الموسم، وخاصة مع وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت لدى البعض من المرجعيات الكنسية منبرا للظهور الاعلامي مقابل الفراغ والفشل في الاهتمام بادارة الابرشية ورعاياها وتعزيزها ايمانيا ومؤسساتيا واداريا.
أدناه بعض الأسئلة العملية لهذا البعض اسقفا ام كاهنا ام علماني مؤمن..
بداية انا لا اتحدث عن كون القربان المقدس علاجا للامراض الجسدية كما هو غذاء روحي..
فذلك ليس موضوع الحدث والساعة.
موضوع الساعة ليس هل ان القربان المقدس هو علاج للكورونا وغيره من الامراض؟
بل هل ان القداس والكنيسة (بيت الرب) هو فضاء وفرصة ووسيلة للعدوى وانتقال الفايروس؟
الحديث هو عن العدوى وليس العلاج.
وشتان بين الأمرين، واستغرب كيف ان البعض يصر على عدم التفريق بينهما.
فأسأل:
1- بافتراض (لا سمح الله) ان الكاهن ادرك قبل القداس بيوم انه مصاب بالكورونا فابلغ الاسقف بذلك.. هل سيسمح له الاسقف باقامة القداس؟
بحسب المزايدين يجب ان يسمح له.. ذلك انه اذا كان القربان يحصن متناوليه من الوباء فكم بالاحرى الكاهن الذي يقوم بالتقديس.
ولكن بالتاكيد فان العقل والحكمة والمسؤولية ستحكم قرار الاسقف ولن يسمح للكاهن بالتقديس..
ببساطة لانه هنا وجها لوجه أمام قرار ومسؤولية واقعية وليس امام مزايدة فيسبوكية.
2- بافتراض ان عائلة مصابة بالكورونا (لا سمح الله) اتصلت بالاسقف وطلبت منه زيارتها للصلاة وطلب الشفاء، فجميعنا يؤمن بقوة الصلاة على منح الشفاء.
هل سيقوم الاسقف بهكذا زيارة للعائلة كما كان يزورها لدعوات الغداء او العصرونية في الايام العادية قبل الكورونا؟
بالتاكيد لن يفعل وسينصحها ان الرب يستجيب للصلاة دون اشتراط حضور الاكليروس في نفس مكان المريض.
وربما سيطلب من احد الكهنة المغضوب عليهم ان يقوم بالزيارة والصلاة!!!
3- ماذا عن بقية وسائل وفرص العدوى؟
تقبيل الصليب، منح السلام في طقس القداس، لمس الاثاث والكتب وبقية الحاجات، وغيرها من الاحتمالات ما قبل واثناء وبعد القداس او الصلاة.
ثم ماذا عن تناول دم المسيح (ما نتداول في كنيسة المشرق بالـ ܢܘܩܝܐ)؟
فاذا كنا نتفق افتراضا ان الـ ܢܘܩܝܐ بحد ذاته محصن من نقل الفايروس، ماذا عن الكأس التي تلمسها الشفة السفلى للمؤمنين عند تناوله؟ وماذا عن المنديل؟
هل هذه جميعها محصنة؟
4- ماذا عن تجمع المؤمنين في الكنيسة بحد ذاته؟
هل نتحمل مسؤولية اعتباره تجمعا محصنا يختلف عن التجمعات التي منعها وحذر منها الاطباء؟
وحتى لو استسهلنا الامر وافترضنا حصانة تجمع المؤمنين في الكنيسة، ماذا عن تجمعهم ما بعد القداس، خاصة وانه في الكثير من الاحيان والمواقع (كنيستنا في ستوكهولم على سبيل المثال) فان التجمع هو في نفس القاعة؟
5- وماذا لو ان عددا من المؤمنين اصابهم الفايروس في الكنيسة بسبب وجود مصاب، وعدد اخر لم يصبهم.. هل سنقول ان من اصابهم الفايروس هم غير مؤمنين ومن لم يصبهم هم مؤمنين؟
هل اختصرنا ايماننا بهكذا اطار من السذاجة؟
الايمان المسيحي اسمى واقدس من ان يختبر مختبريا بهكذا طريقة ومعيار.
والى ما ذلك من الاسئلة والملاحظات والاحتمالات الواردة التي قد تعرض حياة الانسان لخطر الوباء.
هناك من استشهد بالباعوثا التي طلبها مار سبريشوع، اسقف كرخا دسلوخ (كركوك الحالية)، اثناء انتشار وباء الطاعون كتبرير لمجازفته بتعريض ابناء الكنيسة للاصابة بالكورونا.
كنا نتمنى لو انهم نظروا للامر بنظرة اعمق.
فمار سبريشوع دعا الى الصوم والصلاة، اكرر الصوم والصلاة.
الصوم، بمعنى الانقطاع عن الطعام لعدة أيام هو، بالاضافة الى بعده وثماره الروحية، فانه اجراء طبي وقائي ايضا يمنع العدوى من الانتقال.
الصلاة، ولا احد منا يشك او يتشكك في قدرتها وقوتها، وهو موضوع لا خلاف عليه.
ولكن الصلاة ليس بالضرورة، وكما نتعلم من الكتاب المقدس، ان تكون جماعية وطقسية.
فالصلاة والاستجابة لها ليست مرهونة بشكلها ونسقها وموقعها. بالتاكيد نحن لا نلغي ولا نقلل من اهمية وفوائد وثمار الصلاة الجماعية الطقسية في الكنيسة في الظروف الاعتيادية والممكنة.
ولاحظ ان القداس وتناول القربان تم بعد الصوم وتوقف الوباء فكان قداسا للشكر.
وهو ما نسميه في طقس كنيستنا المشرقية بخميس الشكر الذي يلي الباعوثا.
من الغرابة ان يكون فينا من يعتقد ان نمط الحياة الفردية والمجتمعية، بكل تفاصيلها، مع كورونا هي ذاتها ما قبله.
شكرا للحكومات العلمانية التي امرت بمنع التجمعات، حتى الدينية منها، لحماية الحياة التي وهبها الرب لنا.
اتمنى برجاء محبة من سادتي واحبتي الاجلاء ان تسود الحكمة والتواضع في تصريحاتهم وارشاداتهم.
كونوا حكماء كالحيات وودعاء كالحمائم.
ولنتذكر ونلتزم قوله: لا تجرب الرب الهك.
صلوا لاجلي
الخوري عمانوئيل يوخنا
نوهدرا 18 آذار 2020
الموضوع (وهو يعبر عن وجهة نظر شخصية لا مؤسساتية) لم يكن ضمن اولويات الكتابة ولكن الحوارات ووضع الايمان في مواجهة مع مختبرات البحث العلمي على حساب المجازفة يحياة المؤمنين جعلني اكتب الموضوع ونشره على عجالة.