Home / Articles/Books / Articles / وَهَل لِكنائسَ بيث نهرين خِيارٌ آخَر؟

وَهَل لِكنائسَ بيث نهرين خِيارٌ آخَر؟

وَهَل لِكنائسَ بيث نهرين خِيارٌ آخَر؟
(مـَن لا يَجمعُ معي فهو يُفَرِق) لوقا 11 : 23

(كتبت هذا المقال في فيزبادن – المانيا ونشرته في شباط 1997.. وانا اعيد قراءته اليوم واستعرض الاحداث من حين كتابته الى اليوم اتساءل: يا ترى هل كنت طوباويا حالما حينها؟ هل بالغت في توقعاتي وتمنياتي على صناع قرار الكنيسة؟ هل محبتي وحرصي على كنيستي وشعبي جعل الحبر يسيل سلسا من قلمي؟ ام ان ما كتبت كان ممكن التحقق واضعناه كما اضعنا الكثير؟ اسئلة أجهل إجاباتها.)

المـدخــل..
منذ التوقيع على الإعلان المسيحاني المشترك بين كنيسة المشرق والكنيسة الكاثوليكية الرومانية في 11 تشرين الثاني 1994 وحديث التقارب والاتحاد بين كنيسة المشرق بشقيها (الاشوري) و(الكلداني)(1) يكاد يغطي المساحة والزمن الأكبر في اهتمامات ونقاشات أبناء شعبنا الآشوري من أبناء كلتا الكنيستين، وبخاصة شق كنيسة المشرق (الاشورية) منها، ويشارك في هذا الحوار والنقاش اليومي عموم أبناء شعبنا اكليروسا ومؤسسات ومثقفين وشخصيات..

هذا على صعيد الحوار والحياة والمعايشة اليومية، أما على صعيد المواقف المعلنة والمنشورة، فان الحوار والنقاش وإبداء الرأي حول هذه المسالة يغطي أيضا الرقعة والزمن الأهم في اهتمامات وأولويات أولي الأمر وتحديدا المراجع الكنسية البطريركية والأسقفية والكهنوتية لكلتا الكنيستين، ويتمثل ذلك عبر إعلانات وأحاديث وخطوات يقودها الآباء البطاركة ومن وراءهم الأغلبية الصامتة من الاكليروس والمؤمنين ومؤسساتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية، هذه الأغلبية التي ترى في إعلانات ومواقف آباءهم البطاركة تعبيرا عن ما هو في بالها وذهنها ومخيلتها وأحلامها بتحقيق التقارب والاتحاد فتقدم له صلاتها وقرابينها وجهدها..
فالطموح والحلم الوحدوي القائم على الإيمان المسيحي والشعور بالمسؤولية تجاه الكنيسة ومستقبلها كان الذي أَلهَمَ كهنة كنيسة المشرق في محافظة دهوك (حينها كنت واحدا منهم، وما أزال اشعر بالانتماء روحا وفكرا إلى تلك المَواطن) وقادهم إلى الدعوة إلى هذه الوحدة عندما بينوا رأيهم مجتمعين في مسالة التوقيع على الإعلان المشترك مع الفاتيكان، حيث سبقوا زمانهم في رسالتهم المؤرخة 14 نيسان 1993 إلى غبطة مار كيوركيس مطران كنيسة المشرق ووكيلها البطريركي في العراق لينقل موقفهم إلى المجمع السنهاديقي المقدس للكنيسة، معلنين ليس فقط موافقتهم وترحيبهم بالتوقيع على الإعلان المشترك (المقترح حينها) بل دعوا إلى جعله مرتكزا وخطوة أولى نحو تحقيق الوحدة الكاملة مع الكنيسة (الكلدانية) على أسس أو شروط ثلاثة:
أ – الاحتفاظ باسم الكنيسة وحمايته كما هو تاريخيا: (كنيسة المشرق الرسولية المقدسة) واختصارا (كنيسة المشرق)..

ب – المحافظة على اللغة السريانية كلغة للكنيسة وتوسيع الاهتمام والنشر بها.
ج ـ حماية الوحدة القومية لأبناء الكنيسة كشعب واحد..
متجاوزين بذلك عقد الماضي ومعيقات الوحدة المختلفة.. فهل كان رأي كهنة دهوك رؤيا بدأت الآن بالتحقق؟.
مثلما يعبر عن هذا الاهتمام مواقف أقلية رافضة للاتحاد ما زالت أسيرة ماضي الفرقة ولم تتحرر ذهنيتها ونظرتها من سلبياته وتقوقعه الذي قد يتيح للبعض منها امتيازات وجاهة وسلطة..
عجبي من هذا البعض الذي ما كادت الكنيسة أن تخطو في طريق تحقيق الاتحاد الذي نتحدث جميعا ونكتب عنه ونتغنى ونحلم به، حتى تراه يرتد إلى الماضي ويشعر بالحنين إليه حتى قبل أن يفقده..
وضمن هذا الحوار أتقدم برأيي ووجهة نظري، ليس لان فيها جديد مخفي على آبائي الروحانيين واخوتي الكهنة، وليس لأني قادر على تغيير مواقف البعض الرافض، فأنا اعترف بضعفي البشري على ذلك متوجها بالصلاة للرب أن ينير القلوب والعقول.
بل، أتقدم برأيي لسبب بسيط ومتواضع هو أني انتمي إلى هذه الكنيسة وهذه الأمة، كانسان وكاهن، ومن حقي إبداء الرأي في أمور لها أثرها على واقع ومستقبل هذا الانتماء، وبذلك هو واجب وحق أن أقول قولي فيها، خاصة وأني لا أتداول سرا كنسيا، فحديث الوحدة هو حوار مفتوح في هذه الأيام.. وقبل القيام بذلك أود توكيد نقطتين أساسيتين:
1-  لا أريد إبداء رأيي وتحديد موقفي من منطلق عاطفي، ذلك أن أمورا كهذه لا بد أن يتحكم فيها العقل وتحتكم إلى حقائق الواقع الملموسة وليس إلى العواطف، على أهميتها. إن إثارة العواطف وتأليب المشاعر لكسب التأييد أو الرفض في أي موقف هو، برأيي، ابتزاز لا يجدر بنا ممارسته في كنيسة المسيح..
2- قد يتخالف رأيي وربما يتقاطع مع آراء آباء واخوة لي في الكنيسة والأمة، ولكن ذلك لا يلغي أبداً مشاعر البنوة والاخوة هذه. فالاختلاف ليس حربا، والحوار ليس انتقاصا.. بل وأرى انه من المثمر جدا أن يجري نقاش مفتوح في الكنيسة، اكليروس وعلمانيين، حول أمور جوهرية ومهمة، مثل الوحدة، ما دام الحوار يجري بروحية مسيحية قائمة على الاحترام المتبادل للآراء والمواقف (ما يسمى بلغة اليوم بالديمقراطية) والثقة بان مصدرها وهدفها جميعا هو تمجيد اسم الرب وخدمة كنيسته وأبناءها.
وبالعودة إلى الموضوع، أقول أن كنيسة المشرق بإقرارها ضرورة الخروج من عزلتها ومباشرتها السير في الانفتاح والحوار مع الكنائس المسيحية عامة، والكاثوليكية خاصة، و(الكلدانية) بوجه أخص واكثر تحديدا، تكون قد أثبتت أنها، أي كنيسة المشرق، وبعد اكثر من سبعة قرون من الانعزال والتقوقع بحكم الظرف التاريخي الصعب الذي مرت فيه، إنها ما زالت كنيسة قرار وإرادة، إنها كنيسة تواجه بثقة واقعها بما يتضمنه من تحديات وتهديدات جدية قائمة ليس اقلها الفرقة والتشتت في المعمورة والتطرف الأصولي ومخططات إلغاء الوجود والهوية الدينية والقومية في الوطن الأم والعلمانية واللاانتماء في المهجر.. وتثبت إنها متجهة بهذه الثقة نحو مستقبلها بما يحمل من أمل بقهر هذه التهديدات والخروج من هذه التحديات وقد اكتسبت وشعبها قوة مضاعفة..
إن قرار الكنيسة لمواجهة واقعها والسير نحو مستقبلها والولوج إلى الألف الثالث بثبات وعزيمة هو قرار يستحق الدعم والمناصرة ويستحق أن نتوجه من اجله إلى الرب المسيح بصلاتنا وأدعيتنا..

ما الذي يدفعنا نحو الوحدة؟
–  إن الرب يسوع المسيح، رأس الكنيسة وفاديها بدمه الثمين، يصلي من اجل هذه الوحدة..
(ليكونوا واحدا، كما نحن واحد) يوحنا 17 : 11، 21، 22.. أفلا يجدر بنا الإذعان لصلاة من وهب ذاته فداء لنا؟..
– لان الكنيسة تعلن في دستور إيمانها النيقاوي، ومنذ 1600 عام، ومن على فم أبناءها انها تؤمن(بكنيسة واحدة)..
– لان كنيسة المشرق وفي صلواتها تنشد الوحدة وتطلبها..
راجع للمثال لا للحصر، تسبيحة آحاد تقديس البيعة، الحذرا ج 3، الصفحة 568، حيث يتضرع أبناء الكنيسة للرب بقولهم:
(احلل فيها، في الكنيسة، أمنك، وابطل منها الشقاقات). وكذا في صلاة الكاهن لفجر الأحد الأول لتقديس البيعة ص 572 من ذات المجلد: (أيها اليم الغير المحسوس بأسراره…. نتضرع إلى رحمتك من اجل كنيستك المقدسة الجامعة هنا وفي كل مكان…. ابطل منها الجدالات والشقاقات والانقسامات).. وغيرها كثير..
فهل يا ترى لا نفقه ما نصليه؟ أم ترانا غير راغبين بما نتضرع من اجله؟..
– بمعرفة الحقيقة التاريخية أن أحد الأسباب المهمة في الانقسامات الكنسية في شتى أنحاء المعمورة كان الاختلاف في البيئة الاجتماعية والثقافية والموروث الحضاري والفكري بين المجتمعات المسيحية، يصبح جليا أمامنا أن الانتماء المشترك لأبناء الكنيستين (الاشورية) و(الكلدانية) إلى أصول وجذور قومية واحدة ويجمعهما التاريخ والتراث الواحد واللغة والثقافة الواحدة والمعاناة والطموح الواحد نحو التحرر من المظالم القومية والدينية، تشكل جميعا عوامل محفزة ودافعة للوحدة بين الكنيستين.
الكنيستان لهما منشأ واحد.. مكتبة حضارية واحدة.. ذبحا بسيف واحد.. يطمحان لمستقبل واحد..
إن ما يجمع أبناء الكنيستين هو أقدم وأعمق وأغنى وأقدس مما يفرقهم.. فعلام التردد من الوحدة يا ترى؟؟
– تعيش كلتا الكنيستين وشعبهما الواحد واقعا مشتركا بكل ما يحمله من آلام وآمال، من تهديدات وطموح، سواء في الوطن والمهجر.. ففي الوطن حيث المنبت والمصير، حيث الأمس والمستقبل، تعرضت وما زالت الكنيستين وشعبهما إلى مظالم تستهدف في نهاية المطاف إلى إلغاء الوجود وطمس الهوية والذات الدينية والقومية والثقافية لهما..
فمخططات تعريب الأرض والشعب استهدفت رعايا كلتا الكنيستين، وتدمير القرى وتهديم الكنائس بكل ما كانت ترمز إليه من هوية وانتماء تاريخي للأرض والإنسان شمل كلتا الكنيستين (حوالي 150 قرية، وسبعين كنيسة مدمرة)، وتأميم مدارس الكنيسة والرقابة على نشاطات الشبيبة الكنسية بل وإلغاءها في العديد من الأماكن والأوقات كان دون استثناء، ومحاولات التأثير والتحكم بالقرار الكنسي، بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، لم تسلم منه أي من الكنيستين، والتأثير والضغط الاجتماعي والنفسي لخلق وتعميق الشعور بالاغتراب في الوطن كخطوة نحو هجرته إلى المجهول جلية للعيان، ويغذيها غموض الرؤيا المستقبلية (راجع نداء رؤساء الطوائف المسيحية في العراق في 18 تموز 1991 في أعقاب حرب الخليج)، حيث يرد نصا:
(وقد لاحظنا مؤخرا بقلق أبوي اتجاه بعض أبنائنا إلى طرق أبواب الهجرة لأسباب شتى خلقتها ظروف ما بعد الحرب، منها: ضياع الاستقرار، والحصار الاقتصادي وما نتج عنه من ضيق في المعيشة، وقلق بالنسبة إلى المستقبل الغامض، والخوف أحيانا من المتغيرات على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية)..
وفي المهجر تواجه جاليتي كلتا الكنيستين ذات التحديات والصعاب في المحافظة على الذات والهوية والثقافة والانتماء الكنسي والقومي في طوفان المجتمعات الغربية بما تحمله من مادية علمانية وانفرادية انعزالية تقود إلى فصم العلاقات الاجتماعية والقومية حيث بات انساننا في المهجر أسير ذاته وطموحاته الفردية ومتقاطعا في العديد من الأحيان مع انتماءه التاريخي الكنسي والقومي.
وأمام هذه التهديدات والتحديات التي تفرض علينا مواجهتها تضامنيا، هناك أيضا ما يجعلنا غير مترددين في السير نحو الوحدة، ذلك هو وعي وإدراك عموم أبناء شعبنا بان خلاصهم من هذه التحديات هو وحدتهم، وبذلك يشكلون عمقا جماهيريا ومؤسساتيا لآباء الكنيسة في قرارهم الوحدوي. وهذا عامل حاسم لإنجاز أي قرار، ذلك أنه عندما يتحقق التوافق بين قرارات قيادات الكنيسة وطموح مؤمنيها، يكون تجسيد هذه القرارات أمرا هينا يمكن معه امتصاص أية افرازات ثانوية أو نزعات فردية معارضة. وبالعكس عندما لا يتحقق هذا التوافق تتسع الفجوة والانفصام وينعدم تأثير وجدوى القيادات في حياة ومصير القواعد..

ما الذي يعيق الوحدة؟
بدءا نقول: ما اسهل أن نبقى مفترقين، وما أهون أن نستمر مشتتين، فذلك لا يتطلب أية تضحية وأية جهود..
ولكن مهلاً، أيها السادة، منذ متى كانت كنيسة المسيح تبحث عن الأسهل؟ ومتى ارتضى آباء الكنيسة، مار بطرس وبولص، مار توما ومارشمعون برصباعي، مار توما اودو ومار بنيامين شمعون بالأهون؟
فهل، يا ترى، نتوقع من ورثتهم أن يختاروا بخلاف آباءهم؟ لا، وألف لا، فكنيسة اختارت الصليب والجلجثة، الشهادة والاستشهاد، لن تقبل الرضوخ لأية صعاب ما دامت وضعت ثقتها وإيمانها برب الأرباب، يسوع المسيح الذي وعدها وعدا قاطعا أن: (قوات الجحيم لن تقوى عليها) متي 16 : 18..
إننا نقر بصراحة وجرأة إن قرار الوحدة ليس مجرد توقيع.. فهناك العديد من الاشكالات والعوائق، أهمها برأيي:
– التراكمات التاريخية لقرون متعاقبة والتي هي نتائج طبيعية لانقسام الكنيسة والقطيعة (لأسباب مختلفة بعضها جغرافي  طبيعي وبعضها كنسي مذهبي) بين أبناءها.
– الاختلافات الطقسية والقانونية والإدارية بين الكنيستين، وهي الأخرى نتاج طبيعي للانقسام الذي حصل في الكنيسة..
– ولاء البعض للرئاسات وسلطاتها وسعيه إليها اكثر من الولاء للمسيح راس الكنيسة الأوحد والسعي إليه، وهذه لا تقتصر على كنيسة المشرق بشقيها بل نجدها جلية في أي نقاش وحدوي بين أية كنيستين مسيحيتين..
إن هذه العوائق يمكن تجاوزها والتغلب عليها إذا ما وعينا مسؤولياتنا تجاه كنيستنا وشعبنا ومستقبله، وإذا ما امتلكنا روحية مسيحية في الحوار الذي هو وحده السبيل والأسلوب..
أما تجاوز معطيات التاريخ وحقائق الواقع القائم ودعوة البعض لوحدة الكنيسة عبر (عودة المنشق وتوبته) وتصوير ذلك على انه (السبيل الوحيد للوحدة الحقيقية)، وكذلك الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة وكل ما سواها باطل، والطعن بمسيحانية الكنائس الأخرى، فنعتقد أنها دعوات تحرص على التشتت (بما يوفر للبعض من امتيازات ووجاهة) اكثر من كونها دعوات للوحدة المسيحية. وما ننصح به دعاتها هي العودة إلى الإنجيل الطاهر وقراءته والعيش مع الرب المسيح في تواضعه ومحبته وتضحيته..
أما التشبث بمقولة أن الاتحاد مع الكنيسة (الكلدانية) هو (هزيمة) لكنيسة المشرق و(خضوع) منها لكنيسة تمتلك الأكثرية البشرية (اكثر من نصف شعبنا هم من الكنيسة الكلدانية)، بينما ليس شرطا أن تكون الأكثرية هي صاحبة الحق والحقيقة دوما.
نقول أن ذلك يكون صحيحا تماما لو كانت الكنيستين في حال تقاطع وصراع، ولكن واقع الأمر ليس كذلك، فكلا الكنيستان تنتميان إلى المسيح إيمانا وعقيدة، وبذلك فكلتاهما تمتلكان الحقيقة، والتباين القائم بينهما لا يتعدى الأمور الثانوية في الإيمان، سواء ما كان منها طقسيا أو قانونيا أو إداريا، وبالتالي فلا مجال لتطبيق قوانين ومفاهيم الصراع والتحارب على العلاقة بين الكنيستين.
إن الحوار الوحدوي بين الكنيستين هو حوار محبة واحترام وثقة وتضامن في المسؤولية وشراكة في الانتماء..
انه باختصار حوار مسيحي بين كنائس مسيحية من اجل غد مسيحي لشعب مسيحي.
– الاتجاه التقليدي المحافظ (بين الاكليروس بمختلف درجاتهم الكهنوتية او بين العلمانيين) الذي يبرر وجوده ويغطي نقصه وقصر نظره وارتباطاته عبر الاختلاف والتقاطع والعداء مع الآخر المقابل.. فنراه يقوم بتوظيف التراكمات المشار إليها سابقا ليبتز من خلالها تعاطف الناس عبر التحذير من (الذئاب الذين يرتدون ثياب الحملان) أو التصوير لها بان الاتحاد بخلاف الأسلوب الذي يريده هو خيانة تاريخية وإلغاء لهوية الكنيسة بل ولمسيحيتها وإيمانها وانقطاع عن الجذور الثقافية والقومية لأبنائها. أو تراه يحذر من أن التوجهات الوحدوية هي مصيدة ووقوع في الفخ ذاته الذي نصبته الحملات التبشيرية، ناسيا أو متناسيا أن ذلك يمثل انتقاصا من الكنيسة وآباءها قبل أن يكون تغافلا عن التباين بين الأمس واليوم في النضوج والروح المسيحية لقادة كنائس اليوم. أو تراه يقوم بالتعتيم على الخطوات الوحدوية بغاية تحجيم تأييد المؤمنين لها وخلق فجوة بين ما وصلت إليه هذه الخطوات وبين ما يعرفه أبناء الكنيسة (وبضمنهم الاكليروس) عنها، وصولا إلى عزل المؤمنين عن مرجعياتهم البطريركية..
– الأنظمة الحاكمة في الوطن الأم، بيث نهرين، حيث ان هذه الأنظمة تدرك أيضا أن اتحاد الكنائس المشرقية يشكل عامل ديمومة وبقاء وقوة لهذه الكنائس وشعبها في وطنه التاريخي، فانه لا بد لنا وان نتوقع حتمية سعي الأنظمة القائمة إلى تعطيل أي مسعى للتقارب أو الاتحاد بين هذه الكنائس، وإذا كان دور هذه الأنظمة وازلامها ورجالاتها واضحا في الماضي القريب والمعاصر في زرع الشقاق وتعميقه في كنيسة المشرق، فانه كحكماء في الرب يحق لنا توقع استمرار هذا الدور، ولعل إشارة جريدة بابل وبصورة مشوهة ومتعمدة في عددها بتاريخ 12 تشرين الثاني 1994 إلى خبر توقيع الإعلان المشترك مع الفاتيكان مؤشرا على هذا الدور الذي يستفيد في تشويهه من التعتيم الذي تفرضه بعض القيادات الكنسية على وقائع الأحداث وحقائقها..

السبيل لتجاوز هذه العوائق..
أمام هذه العوائق هناك الكثير لنفعله، وكل من موقعه، لتجاوزها والتغلب عليها، وأدناه وسائلا أراها مهمة وفاعلة:
– يقول الرب المسيح: (كل ما تطلبونه في الصلاة بإيمان، تنالونه) متي 21:22.
ويقول أيضأ: (حتى الآن لم تطلبوا باسمي شيئا. اطلبوا تنالوا، فيكون فرحكم كاملا) يوحنا 16 : 24..
فعلام التردد، هيا إلى الصوم والصلاة أيها المؤمنون، ولنرفع اليه وباسمه طلباتنا.. السنا نمتلك هذه الثقة به؟
وكما قال أحد المؤمنين: (نحن لا نصلي من اجل أحمال أخف، بل من اجل ظهر أقوى).
– أمام التراكمات التاريخية السابقة، يأتي دور الكرازة والوعظ والندوات الوحدوية لتبيان أهمية نتائج وثمار الوحدة المرتقبة القائمة على الاحترام والمحبة المتبادلة وتجاوز أخطاء الماضي، وان تطلب الأمر الاعتراف بها..
كما هناك أهمية في تشجيع المؤمنين للقيام بدورهم في إنجاز الوحدة، ففي كنيسة المسيح الكل له موقعه ودوره..
– من المهم أيضا القيام ببرامج راعوية مشتركة بين الكنيستين، بدءا بالتربية المسيحية للأطفال إلى برامج الشبيبة المشتركة بين الكنيستين وصولا إلى الخدمة الكهنوتية المشتركة.. ويضاف إليها أيضا أهمية إعطاء الخطوات الوحدوية أولوية قصوى في مجال الإعلام الكنسي في هذه المرحلة تحديدا..
– إن توسيع حلقات العمل الوحدوي ولجانه وتخصصاتها سيتيح فرصة اكبر لتذليل الصعاب والعقبات في طريق الوحدة..

الآفاق المستقبلية..
إننا نرى أن الاتحاد بين شقي كنيسة المشرق سيفتح أبواب المستقبل على مصراعيها نحو المزيد من الثمار الصالحة:ـ
1- الوحدة مع كنيسة المشرق – التقويم القديم، وذلك بعكس ما يريد البعض تصويره لغايات معروفة من أن التقارب والخطوات الوحدوية مع الكنيسة الكاثوليكية هي تعميق للخلاف مع كنيسة المشرق – التقويم القديم.. فالوحدة تمنحنا وبالممارسة العملية ثمارا تشجع على وحدة جميع كنائس المشرق، مثلما تكسر الحواجز النفسية القائمة، كما ستثبت الوحدة ان هناك استعدادات تضحوية لدى آباء الكنيسة، هذه الاستعدادات التي يمثل الافتقار إليها أهم عائق أمام الوحدة بين أية كنيستين..
2- مجمع للكنائس الآشورية التي تمثل السريانية لغة موروثها وطقوسها..
3- تحقيق التكامل الذي يعني القوة لأبناء الشعب الآشوري، فكل كنيسة تكمل الأخرى ولا تلغيها.. ولست ابتغي في هذا المقال – الرأي تبيان اوجه الضعف والحاجة القائمة في كل كنيسة من كنائسنا ويمكن للكنيسة الأخرى أن تغطيه، ويكفي أن أشير إلى البعض من اوجه التكامل التي سيحققها الاتحاد:
أ- المدارس الاكليريكية.. حيث تفتقر كنيسة المشرق (الاشورية) في الوطن الأم إلى مدرسة اكليريكية بمستوى المهام والمسؤولية، وتفتقر كلتا الكنيستين إلى مدرسة خاصة بهما في المهجر..
ب- الدعوات الكهنوتية. فهناك أزمة حقيقية في قدرة الكنيستين على تغطية احتياجاتها إلى كهنة لرعاياها في الوطن والمهجر.
ج- الطباعة والنشر بشقيها التربوي والإعلامي.. وبشتى الوسائل العصرية (كتب، مجلات، دوريات، موسيقى، أفلام، الخ.)..
وغيرها من اوجه النقص والحاجة في الكنيستين، وبخاصة في الشق (الاشوري) منها.. واتحاد الكنيستين سيغطي تكامليا العديد من هذه الاحتياجات.. ناهيك عن ما ستحققه الوحدة من تكامل للمؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية لشعبنا التي تأثرت وما تزال بهذه الفرقة وتشتت الجهود.. إن وحدة الكنيستين تعني قدرة اكبر لشعبنا في تحقيق ذاته ومستقبله في شتى المجالات..

الخاتمة..
وأنا اختتم مقالي في تبيان رأيي وإجلاء موقفي من المشروع – الحلم لوحدة الكنيسة المشرقية المقدسة، أتوجه بالصلاة والدعاء أولا إلى الرب يسوع المسيح ليلهمنا جميعا القوة والعزيمة والحكمة لإنجاز إرادته الربانية في وحدة جسده المقدس عبر توحيد كنيسته.. مثلما أتوجه بالدعاء الحار إليه ليمنح الآباء البطاركة والأساقفة الجرأة لإنجاز الوحدة وتحقيق الحلم الذي راود آباءنا ويراودنا نحن أيضا.. كما أتوجه بدعائي القلبي وبروح المحبة الإنجيلية إلى الرب لينير قلوب وأذهان رافضي الوحدة ليفقهوا أن مشيئة الرب في وحدة كنيسته آتية لا محال، وليلتحقوا كاخوة في الإيمان بمسيرة الوحدة ويتحملوا شرف انجازها.
إنني وبضعفي أدعو الأب الأقدس مار دنخا الرابع وغبطة البطريرك مار روفائيل بيداويذ إلى عدم التراجع أمام قرار الوحدة وعدم التردد في تحمل أعباءها، فالمسيح قالها (حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فأنا هناك في وسطهم) متي 18 : 20..
لا تترددوا ايها الاباء.. (ما دام الله معنا، فمن يكون علينا) روميه 31:8..
صلوا من أجلنا والرب يبارك..

الأب عمانوئيل يوخنا

فيزبادن في 20 شباط 1997

(1) استعمالنا (الاشورية) و(الكلدانية) هو استعمال مجازي لهاتين التسميتين كما هي شائعة للتعبير عن فرعي او شقي كنيسة المشرق، حيث لم ارغب باستعمال تسمية (النسطورية)..

ملاحظات :
1. المقال اعلاه كتبته في شباط 1997 ونشرته في وسائل النشر المتاحة حينها والمقتصرة على المنشورات المطبوعة حيث تم نشره في مجلات (حويودو) و(شروغو) وغيرها حيث لم تكن حينها وسائل النشر الالكترونية متاحة. ويستطيع القارئ اللبيب ان يلحظ اشارات في المقال لامور ومواقف تعود الى تاريخ كتابة المقال في 1997.
وتعميما للفائدة ودعما لآمال التقارب والحوار الذي نامله ونتوخاه حاليا اعدت نشر نصه الحرفي على موقع عنكاوة في أيار 2013 دون زيادة او نقصان او تعديل ما عدا التعديل بادراج اسم غبطة سيدنا البطريرك ساكو.
ومع اطلاق موقعي الشخصي (ايتوتا.نت) انشره ضمن زاوية المقالات.

2. اتمنى على القراء الاحبة ان لا يحوروا دفة موضوع المقال الى نقاش في مسالة التسمية القومية. فشخصيا موقفي واضح ومعروف منها وقد وضعت ونشرت كتابا بشانها عام 2005 ويحمل اسم (حربنا الاهلية.. حرب التسمية)، وهو متاح على هذا الموقع للراغبين قراءته. الرابط الى الكتاب:

http://etota.net/category/articles-books/books/

موقفي من موضوع التسمية وباختصار هو ان كل منا عندما يتحدث او يكتب فليستعمل الاسم القومي الذي تربى عليه ولكن ليقصد ويشمل فيه كل شعبنا. شخصيا استخدم الاسم الاشوري.

3. الصورة المرافقة للموضوع هي لكنيسة مريم العذراء في قرية ولطو الاشورية في الخابور التي فجرها داعش بعد احتلاله للخابور في نهاية شباط 2015

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *