في كلمة فه لا
يتداول الاخوة الكرد في عموم منطقة بهدينان تسمية (فه لا) عندما يبغون الإشارة إلى الآشوريين أو المسيحيين (الآشوريين جميعهم مسيحيين) وكلمة (فه لاني) للدلالة على اللغة القومية للآشوريين…
وحيث أن كلمة (فه لا) لا ترد في أي من القواميس الكردية على أنها مفردة كردية(1) كما وليس لها أي اشتقاق أو تأويل لغوي بحسب قواعد اللغة الكردية، فقد ارتأينا أن ندلي برأينا في اصل هذه التسمية ومدلولاتها فنقول :
أن (فه لا) هي تكريد للمفردة العربية (فلاح) .. وقد دخلت ومنذ عدة قرون إلى اللغة الكردية كتسمية تشير إلى الآشوريين خصوصا والمسيحيين عموما..
ويعود ذلك إلى حقيقة أن الآشوريين المعاصرين ينتمون ويقطنون تاريخيا في منطقة نينوى وامتدادها شمالا إلى جنوب تركيا المعاصرة.. واستمر انتماءهم إلى هذه الأرض حتى بعد سقوط كيانهم السياسي حيث استمروا في العيش على أرضهم جيل بعد آخر يمارسون نشاطهم الاقتصادي الزراعي فيها فيفلحون الأرض ليرتزقوا منها…
وبعد دخول الإسلام إلى المنطقة بما رافقه من موجات سكانية عربية وبما افرزه من نتائج على لغة وثقافة السكان الأصليين حيث تعرب معظمهم فقد تقلص الوجود القومي الآشوري، إلا أن من بقي منهم محتفظا بلغته وخصائصه القومية فقد استمر في مزاولة نشاطه الاقتصادي الزراعي في الأرض التي ورثها عن أسلافه…
من هنا أطلق العرب القادمين إلى نينوى وضواحيها على الآشوريين ولغتهم تسمية (فلاحي) أو بالعربية الدارجة (فليحي) بحسب لهجة عرب الموصل، وهذا ما زال شائعا في الموصل إلى يومنا هذا، حيث إذا ما تكلم الآشوريون بلغتهم القومية فانه يقال لهم : (انهم يتكلمون بالفليحي)، أي لغة الفلاحين.. بكل ما يعنيه ذلك من حقيقة تاريخية من أن هذه اللغة والشعب الذي يتحدث بها ينتمي إلى تلك الأرض أبا عن جد، ذلك انه وكما هو معروف وفي كل المواطن والأزمنة أن الفلاح هو الأقدم انتماء إلى الأرض…
من هنا وكنتيجة لتحادد بهدينان بالموصل وأطرافها وكنتيجة للاختلاط والتعامل بما يفرزه من تأثر وتأثير فقد دخلت التسمية إلى بهدينان ولتتكرد وحسب اللفظ الكردي فتصبح (فه لا) ولتشير إلى الآشوريين المسيحيين…
وإضافة إلى ما سبق فان اقتصار تداول المفردة العربية (فليحي) على الموصل وأطرافها واقتصار تداول المفردة الكردية (فه لا) على بهدينان من دون غيرها من المناطق الكردية هو دليل إضافي على اصل التسمية ومدلولها عند بداية تداولها….
أما القول بان التسمية (فه لا) تشير إلى المسيحية بغض النظر عن الانتماء القومي فهو قول مردود، من حيث انه لا وجه ربط أو تأويل لغوي أو تاريخي لذلك إضافة إلى أن تسمية (فه لاني) تشير قطعا إلى اللغة السريانية حصرا وكذا الحال بالنسبة لكلمة (فليحي) كإشارة إلى اللغة، وبذلك تصبح كلمة (فه لا) و (فليحي) إشارة إلى الآشوريين، أما اتساع مدلولها المعاصر لتعني (المسيحي) فهو راجع إلى انه والى تاريخ قريب جدا، مع بداية هذا القرن، فان الانتماءات في المنطقة كانت تفرز على أساس الانتماء الديني وليس القومي الأمر الذي أدى إلى إضفاء طابع ديني كون المسيحيين في بهدينان هم من الآشوريين جميعا ما عدا الأرمن الذين يشكلون تجمعا سكانيا صغيرا وإذا كان يشار إليهم أحيانا بـ (فه لا) فانه لا يشار إلى لغتهم قطعا بـ (فه لاني) بل (ارمني)..
إلا أن ما نريد أن نختم به رأينا هو رغم أن تسمية (فه لا) أكاديميا تعبر في حقيقتها واصلها التاريخي واشتقاقها اللغوي إلى حقيقة الوجود الآشوري وانتماءه التاريخي إلى ارض النهرين، إلا أنها في الواقع المعاصر تعطي انطباع (الأقلية المستضعفة)، الأمر الذي يجعلها غير مستساغة السمع والتداول بين عموم الآشوريين، خاصة وان عهد الاستضعاف قد ولى مع شمس التحرر والوحدة والتقدم على أساس احترام حقوق كل القوميات وتسمية المسميات بأسمائها…
(1) المقصود هو أنها لا ترد كمفردة كردية الأصل، فالمعروف أن كل اللغات قد دخلت عليها مفردات من اللغات الأخرى وربما اشتقت منها كلمات وفق قواعد الصرف والاشتقاق للغة التي دخلت عليها هذه المفردات، إلا أن ذلك لا يلغي كونها دخيلة، وكلمة (فه لا) هي واحدة من هذه المفردات الدخيلة على الكردية مثلما هي كلمة (ܟܪܣܛܝܢܐ) وتصريفاتها دخيلة على السريانية وترد في جميع القواميس السريانية، ولكن كمفردة دخيلة فلا أحد يقول بسريانيتها..
نشر في جريدة (الاتحاد) للاتحاد الوطني الكردستاني العدد 27 في 8- 5- 1993 …
الخوري عمانوئيل يوخنا
نوهدرا – دهوك