Home / Articles/Books / Articles / مار ماري وتوسيع الشعبية بتوظيف الاسلام والترامبوية

مار ماري وتوسيع الشعبية بتوظيف الاسلام والترامبوية

وقفة مع ظاهرة السيد روبرت شليمون (المعروف شعبيا بأسم مار ماري): ما له وما عليه

ثالثا (تتمة): أسباب توسع شعبية واتباع مار ماري

مار ماري وتوسيع الشعبية بتوظيف الاسلام والترامبوية

في الجزء السابق من هذا القسم من المقال تطرقنا الى مجموعة عوامل ساعدت في نمو وتوسع شعبية مار ماري واتباعه وتحوله الى ظاهرة. بعض الاسباب تتعلق بذاته وشخصه ومهاراته هو، وبعضها الاخر بضعف اداء وحضور الكنائس الرسولية التي بخلاف مار ماري تكاد تخلو صفحاتها الالكترونية من المواضيع العقائدية والتهذيبية من وحي الكتاب المقدس وباتت معظمها البوم صور او قصص تاريخية، مع بعض الاستثناءات التي لا تكفي لايصال رسالة الكنيسة للساكنين في هذه القرية العالمية الصغيرة والمسماة بالارض.

ندعو ونتمنى على الكنائس الرسولية مضاعفة حضورها السيبراني وتطويره مساحة ومضمونا.

بالاضافة الى ما اوردناه من عوامل مساعدة، فاننا خصصنا هذا الجزء من المقال لعرض عوامل اخرى كان وما زال لها الدور الاكبر في توسع شعبية واتباع مار ماري.

يمكن القول ان التوظيف في العوامل ادناه ساهم بتوسيع شعبية مار ماري بشكل اكبر من العوامل السابقة لذلك خصصنا لها هذا المقال.

1- التوظيف في الصراع الديني، وتحديدا المسيحي – الاسلامي

ففي مقابل الحوار المسيحي-الاسلامي الذي بادر وساهم ويساهم فيه الحكماء من المرجعيات والمؤسسات الدينية العليا لهاتين الديانتين الملياريتين حيث اكثر من ملياري مسيحي واكثر من مليار ونصف مسلم يعيشون في قريتنا الصغيرة، ويتشاركون في تفاصيل الحياة اليومية الفردية والجمعية (المدرسة، العمل، العلوم، الرياضة، الثقافة، الفنون، الاقتصاد، السياسة، اوقات الفراغ، وغيرها) مما يتطلب العمل والجهد المشترك لبناء الجسور وازالة الجدران لعيش مشترك سالم وسليم ومثمر وكريم بين الجميع ومع الجميع وللجميع. حوار لا يبتغي توحيد القناعات والعقائد الدينية بل ايجاد المشتركات في الممارسات والمواقف اليومية.

في مقابل ذلك هناك الصراع المسيحي-الاسلامي حيث هناك من يشعل نيرانه ويصب الزيت عليه، بأسم الله، اشباعا لرغباته وطموحاته او رغبات واهداف اجندات غير معلنة صراحة.

من الظواهر التي تنامت لتسود عالمنا المعاصر هو انه بعد التراجع لعقود فان العامل الديني عاد الى المشهد بقوة ونما تاثيره على سلوكيات الافراد والمجتمعات والدول، وتحكمه في سلوكياتها الفردية والجمعية. وبالتاكيد فان الفضاء السيبراني هو احدى الساحات التي تمت فيها المساحات الدينية، وبالنتيجة بات من ساحات المعركة مثلما هو منبرا للحوار ايضا. فالمواقع والصفحات الدينية التعريفية والحوارية والصراعية (القتالية) تنمو بشكل كبير. فادخال كلمة (Religion) في محرك البحث غوغل تعطي 4.350.000.000 نتيجة في اقل من دقيقة. وعبارة (religious debates websites) تعطي اكثر من 230.000.000 نتيجة. وفي عام 2007 كان هناك حوالي 90 مليون موقع اسلامي على النت وباتت اليوم قرابة مليارين.

التبشير والتعريف بالدين شيء، والاساءة والاستهزاء بالاديان الاخرى شيء اخر. وهنا مربط الفرس.

الاساءة والاستهزاء، بل وحتى التشكيك باسلوب استفزازي، لا يحقق اية خدمة صالحة لمن يقوم بها، ولا لمن يتلقاها، ولا لمن تستهدفهم. بل على العكس تماما، فان ذلك يسمم الاجواء ويعمق الخلافات ويزيد الكراهية والاحقاد ويقود، اذا ما توفرت ظروف معينة واشخاص بصفات معينة، الى ردود افعال مرعبة تصل الى الارهاب الفردي او المنظم.

وهذا هو المنحى الذي اختاره مار ماري ليلتحق باخرين سبقوه أو يعاصروه ويتنافس معهم على كسب المعجبين اللاهثين وراء هكذا اسلوب وتكون له حصته في هذا السوق الشعبي والشعبوي.

فالرجل ليس مهتما، ولا يبدو انه سيهتم، بالحوار من اجل العيش المشترك والسلم المجتمعي في القرية العالمية.

ولا يبدو انه يدعو الى المسيحية من خلال التعريف بها وبعقائدها وحياتها (وهذا حق وواجب) فحسب، بل هو يستفز الاديان الاخرى واتباعها وفي الكثير من الاحيان باسلوب غير لائق.

سذاجة ان تنتقد او تستهزئ بصيغة او باخرى بديانات اخرى ولا تتوقع ردود فعل من اتباع تلك الديانات.

ومار ماري ليس ساذجا الى هذه الدرجة. حاشا. وبذلك يمكن القول انه استقدم ردود الفعل.

سذاجة ان تنتقد وتستهزئ بصيغة او باخرى وتعرف حجم وطبيعة رد الفعل المتوقع وتعلنه “تتنبأه!!!” بالفم الملآن ولكنك في نفس الوقت تعلن جغرافية وتوقيت تواجدك.

وهنا أيضا، مار ماري ليس ساذجا لهذه الدرجة. حاشا. وبذلك يتأكد القول أنه استقدم العنف ضده.

مار ماري، بعكس كل الاخرين الذين يحاججون وينتقدون ويتحدثون عن الاديان الاخرى في الفضاء السيبراني او يطبعون المنشورات والكتب فهم جميعهم لا يعطون عنوانهم الفيزياوي بل يكتفون بالبريد الالكتروني او صندوق البريد. ببساطة لانهم حكماء وليسوا مغامرين.

وبذلك يطرح السؤال الكبير نفسه: لماذا استقدم مار ماري العنف؟

اذا كان يجوز لنا الاجابة من المشاهد التي تلت الحدث وما زالت، فانه يمكن الاستنتاج ان الاستقدام كان بغاية التوظيف الشعبوي للعنف ومشهده.

ما اوردناه هنا لا يبرر مطلقا العمل الارهابي الذي استهدف مار ماري، حيث نكرر ادانته باقسى الكلمات.

نضيف فنقول، انه لشعب مظلوم على مدى قرون بسبب ايمانه الديني، ولشعب لا يستطيع الا ان يمارس الذمية ويتعايش معها ويتقبلها قسريا، فانه ان ياتي احد ابناءه “في آخر الأزمنة” ليتوجه علنا بالنقد والاستهزاء الضمني بديانة شرعنت وما زالت تشرعن المظالم على هذا الشعب، فان الشعب المظلوم سينظر اليه انه “البطل” و”المسيا المُخَلِص” الذي ينتظره الشعب. انه “البطل” الذي يلبي احتياج كامن في الذات الفردية والجمعية. انه “البطل” الذي ينظر اليه الشعب بانه يقول: ها نحن ذا.

الشعوب عادة، وبخاصة المقهورة، تتحرك بعواطفها لا بعقولها، والشعوب المقهورة تبحث عن من تصنع منه “بطلا” وتتعاطف معه دون ان تناقشه وتحاججه فذلك ليس مهما لها. المهم الوحيد هو انه بعد قرون الظلم والقهر وحالة “الصاغرين” (من الآية القرانية: يدفعون الجزية وهم صاغرون) ها هو المارد يخرج من القمقم ويظهر “البطل” ويأتي “المسيا” الذي طال انتظاره.

اشوريا، فان الأمر يتوسع ليصبح قوميا أيضا. فرغم ان الرجل، والحق يقال، لم يتناول الشان القومي الاشوري، الا ان الكثير من الاشوريين ينظرون اليه ويبرزون انتماءه القومي ويسوقونه كبطل قومي ايضا، وليس بطلا مسيحيا فحسب.

والابطال في ثقافتنا الشرقية معصومون عن الخطأ وهم فوق النقد والتقييم. وها انا اتعرض لهجوم من قبل العديدين بسبب نقاشي الموضوع والظاهرة بمختلف جوانبها واثارتي الاسئلة ومحاولة الاجابة عليها بالمنطق والشواهد ومتحررا من القيود التي تفرضها العواطف، حيث لا اكتفي بما يظهر في المشهد (حمل مار ماري على الاكتاف مثلا) بل اثير الاسئلة المهمة (Challenging questions) واسئلة الـ (Ws) المشهورة: (What? Why? Who? Where? When?)

2- التوظيف في الترامبوية

لم يشهد المجتمع الامريكي والمشهد السياسي هناك انقساما عموديا كالذي شهده في الفترة الاخيرة مع ظهور وصعود ترامب واداءه وخطابه غير المعهود سابقا وغير التقليدي امريكيا، سواء من حيث مضمونه او شكله. الرجل هو من خارج المؤسسة السياسية الامريكية بل ويعتبره الكثيرون خطر على المؤسساتية الامريكية حيث يشكك فيها ويطعن في ثوابتها واسسها.

الترامبوية اصبحت ظاهرة يتفق معها البعض ويختلف معها اخرون.

وتجاوزت حدودها الحياة السياسية حيث لا تتحدد بترشيحات وانتخابات واداء الرئاسة الامريكية، بل دخلت مساحات حياتية اخرى ومن بينها وفي مقدمتها الدين الذي بات له حيزا ليس بالقليل في الخطاب الترامبوي وبات الكثير يسوق ترامب على انه “المسيا” الامريكي المنتظر الذي سيعيد للمسيحية دورها وحضورها وتاثيرها، وان ترامب هو اختيار رباني، وان من يرفض ترامب انما يرفض ارادة الرب. واااااو. لنشاهد ونستمع الى هذه “المرشدة الروحية” للرئيس ترامب:

https://www.youtube.com/watch?v=1LZthSl1QA0

استطاعت حملة ترامب ان تسوقه لدى الكثيرين على انه حامي المسيحية. والكثير بين هؤلاء الكثيرين هم من مسيحيي الشرق الذين باتوا يعتبرونه “بطلا” مسيحيا وينظرون اليه بما تريد ان تصوره لهم أنفسهم المظلومة والمقهورة كما اوردنا سابقا.

شخصيا لست بوضع الحكم على سياسات ترامب ومدى جدارته لرئاسة اميركا فذلك قرار الشعب الامريكي الذي يختار رئيسه بين مرشحي الرئاسة. ولكني اشكك تماما بمسيحانية ترامب وبقبوله كنموذج للانسان والحاكم المسيحي وبانه حامي الايمان.

ترامب، رجل الاعمال الذي يجيد البحث عن الدولار واقتناءه وسحبه من جيوب الاخرين، لم يفته توظيف المسيحية ماليا أيضا، حيث مع تعرضه للضغوط المالية بسبب الغرامات والكفالات في المحاكم اطلق حملة لبيع الكتاب المقدس. هذا الررابط وغيره الكثير للاطلاع:

https://www.npr.org/2024/03/27/1241186975/donald-trump-bible-god-bless-usa

كما تجاوزت جغرافيا الترامبوية حدود الولايات المتحدة الامريكية لتجد شركاء لها في دول وقارات اخرى، البرازيل واوربا مثلا.

الرئيس البرازيلي بولسونارو (يطلق عليه ترامب الاستوائي) كان حليفا وثيقا للرئيس ترامب. رئيس الوزراء البريطاني جونسون اطلق عليه اسم ترامب بريطانيا. اما رئيس الوزراء الهنغاري اليميني اوربان فحدث ولا حرج.

(هل هي مصادفة انهم مثلهم مثل ترامب متهمون بقضايا فساد مختلفة)

كنت احد المدعوين والمشاركين في المؤتمر الثاني للمسيحيين المضطهدين (2nd International Conference on Christian Persecution) الذي نظمته هنغاريا بحضور رئيس الوزراء اوربان في العاصمة بودابست 26-28 تشرين الثاني 2019.

لقد صدمت بما رايت ولم اصدق انه يحدث في اوربا. فبالاضافة الى دعوة ممثلين خاصين لترامب وبولسينارو والقاءهم الكلمات، فانه كلما كان يذكر اسم ترامب كان الحضور يقف والتصفيق يعلو بشكل جنوني. عبادة الفرد وصنع الدكتاتوريات.

وصلت الجغرافيا الترامبوية الى استراليا، والتحق مار ماري بالترامبوية الشعبوية مدغدغا المشاعر ومخاطبا العواطف والظلم المتراكم وليكسب بذلك الكثير من الاتباع له ولـ”شريكه” غير المباشر، الرئيس ترامب.

فها هو مار ماري يكرر ذات مضمون “المرشدة الروحية” اعلاه ولو بكلمات وعبارات ونبرة أخف.

https://www.youtube.com/watch?v=MoY4ZXCWO0Q

وها هم اتباع مار ماري يصبحون، بدراية او غيرها، جزءا من الحملة الانتخابية لترامب.

لاحظوا صور وعظات مار ماري على اليوتيوب. (الصور في نهاية هذا المقال).

 

الخوري عمانوئيل يوخنا

نوهدرا 11 أيار 2024

وللمقال تتمة:

الجزء الثالث ق3: أسباب توسع شعبية واتباع مار ماري:

(تتمة): مار ماري وتوسيع الشعبية بتوظيف الكورونا والاعتداء الأخير

 الروابط الى الاجزاء السابقة:

الجزء الأول: المدخل

http://etota.net/articles-books/articles/mar-mari-p1/

الجزء الثاني: من هو مار ماري؟

http://etota.net/articles-books/articles/mar-mari-p2/

الجزء الثالث ق1: أسباب توسع شعبية واتباع مار ماري

http://etota.net/articles-books/articles/mar-mari-p3a/

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *