وإنطلقت الأنتخابات العراقية 2025
ملاحظات على الحملة الانتخابية لغبطة أبينا البطريرك مار لويس ساكو السامي الأحترام
1- بالعادة، تنطلق مسيرة الانتخابات مع تحديد تاريخها واعتماد قانونها وتسجيل الكيانات المشاركة والمرشحين، وبعد التحقق من استيفاءهم لشروط الترشيح، تنطلق الحملات الانتخابية وصولا الى يوم الصمت الانتخابي السابق ليوم الانتخابات.
وبهذا تكون انتخابات مجلس النواب العراقي القادمة قد انطلقت حيث تم تحديد موعدها في 11 تشرين الثاني 2025، وتكون قد انطلقت مع اغلاق تسجيل الكيانات وتقديم قوائم المرشحين. ولكن حملاتها الانتخابية إنطلقت أيضا مع انطلاق الحملة الانتخابية السياسية لغبطة أبينا الجليل البطريرك الكاردينال مار لويس ساكو الجزيل الاحترام.
2- مهلاً. لا تنصدموا صدمة المتفاجئين بالتوصيف، ولا تبتسموا بسمة العارفين بالتوصيف.
انا لست “افبرك” الوصف، كما لست اعلن السر، ولست اكشف المخفي.
كل ما في الأمر، اني وبصراحتي أسمي الأسماء والأوصاف بأسماءها.
فاذا كان رجل الدين المسيحي العراقي الوحيد الذي كان عضوا في مجالس المحافظات، ليس سياسياً؟ واذا كان من تدخل بتسمية ممثلي شعبنا في مجلس كركوك وحاول فرضهم من خلال الاحزاب الكردستانية على احزاب شعبنا، ليس سياسياً؟ واذا كان من حاول تعيين مرشحته للوزارة الاتحادية، ليس سياسياً؟ واذا كان من كان طرفا اساسيا في تشكيل قائمة انتخابية للبرلمان الاتحادي، وسمى مرشحيه لها، وفرض رأيه على برنامجها الانتخابي، ليس سياسياً؟ وإذا كان من أسس رابطة سياسية المسار والعمل وبواجهة مؤسسة مدنية، ليس سياسياً؟ واذا كان من تعامل ووظف سياسيا أزمته\خلافه مع رئاسة الجمهورية، ليس سياسياً؟ وإذا كان من تفوق اطلالاته الاعلامية السياسية، عددا ونوعا ومنابرا، على اطلالات جميع قادة ومسؤولي شعبنا السياسيين، ليس سياسياً؟
فكيف يكون السياسي اذن يا ترى؟
وما من أحد يقتنع او يقبل التبرير والادعاء بان غبطته رشح او دعم فلان هنا وعلان هناك لان الاخرين طلبوا منه!! دعونا نستمع الى الكاردينال الراعي بطريرك الكنيسة المارونية وهو يعلق بانه ماذا سيكون جوابه لو طلب اليه تسمية وزراء لاخراج لبنان من الازمة الكبيرة التي مر بها بسبب الخلاف على تسمية الوزراء بين الرئيس السابق ميشيل عون ورئيس الوزراء السابق سعد الحريري.
https://www.youtube.com/watch?v=BgiJmxCSjCk
لذلك فاني أرفض وبالمطلق أن يعاتبني او ينتقدني او “يزعل” مني أي أحد على صياغات هذا المقال. فهو مقال سياسي في شان سياسي موجه الى شخص سياسي له مواقف سياسية. الرداء الكنسي لرجل السياسة لا يحصنه من النقاش السياسي.
3- يخطئ من يظن ان غبطة البطريرك ساكو لم يحقق شيئا في مسيرته السياسية.
صحيح انه لم ينجح الى الان في ايصال مرشحيه الى البرلمان، او الوزارة، وهذا الفشل كان لصالح شعبنا من حيث انه حصننا من السلطة الثيوقراطية، فمن غرائب واقعنا ان مرجعية كنسية تخلط ما لقيصر بما لله، فيما العلمانيين، وربما بينهم لا دينيين او ملحدين، يلتزمون فصل ما لقيصر عن ما لله.
ولكن غبطته لم يفشل.
فغبطته حقق ما هو اكبر من مواقع نيابية او حكومية مرحلية ومرتبطة بالسنوات الأربع للدورة الانتخابية او التشكيلة الحكومية.
وغبطته نجح في تجريد شعبنا تشريعيا ومؤسساتيا وسياسيا من هويته القومية (بغض النظر عن التسمية) وتحويله الى شعب مسيحي لا غير.
وغبطته استطاع تصفير التضحيات الكبيرة والغالية من الشهداء التي قدمها شعبنا في تاريخه الى الامس القريب، وما يزال، من أجل اقرار وجوده وهويته وحقوقه القومية.
غبطته استطاع تصفير النضال القومي لشعبنا نخبا وافرادا و تنظيمات، سواء في النضال السري لاحزابه، او في الكفاح المسلح مع القوى الوطنية والكردستانية، او في معتقلات الانظمة الحاكمة، او في العملية السياسية بعد التحرر من النظام البعثفاشي.
غبطته حقق قص جذور الاف السنين من تاريخ شعبنا ما قبل المسيحية، فاصبحنا شعب مسيحي لا اسم له ولا هوية ومعروض في بازارات التعريب او التكريد او التتريك او غيرها.
شكرا غبطتكم!!!
وللامانة التاريخية نقول، ان بعض الاحزاب “القومية”، كانت شريكة مع غبطته في هذا الأمر.
4- المؤسف، ان حملة أبينا البطريرك الحالية، كما للانتخابات السابقة، تقوم على شد العصب التسموي من خلال تسويق ان الكلدان يتعرضون لحملة إلغاء من الاخرين “العنصريين” حيث يستشهد او يشير غبطته الى الاشوريين، ظالما بذلك الاكثرية المطلقة منهم بسبب اقلية بينهم ممن يلغون الاسم الكلداني في حين ان الاكثرية المطلقة لم ولا يلغون الكلدان بل يؤكدون على احترام كل التسميات القومية لشعبنا الواحد الموحد عبر التاريخ ونحو المستقبل.
راجع مقالي (أبتي غبطة البطريرك: لا تعاقبنا بسبب …)
https://etota.net/articles-books/articles/patriarch-sako-dont-punish-us/
حقيقة الأمر، ان اكثر من يلغي ويهدد الهوية الكلدانية هو غبطتكم سيدي.
عهدكم البطريركي لم يشهد استعادة اللغة القومية (الكلدانية او السورث) في حياة الكنيسة، بل العكس تماما، حتى انه وعلى المنبر المقدس وبالحلل الكهنوتية استهزأت بالسورث. وانت لا تستخدم السورث في رسائلك البطريركية (ولو الى جانب العربية). وأنت لم تتحدث يوم تنصيبك بالسورث الى جانب العربية والانكليزية. وانتم البطريرك الذي لم يشجع دورات اللغة. كم مقال (لا اقول كتب) نشرتم بالسورث؟ وغيرها من الاسئلة والامثلة.
أن ادعاءكم بالالتزام القومي الكلداني هو لغرض واحد محدد وهو وضع اليد على الشعب الكلداني سياسيا بالاضافة الى مرجعيتكم الكنسية له.
سيدي، ادعوكم ان تعودوا وترجعوا الى كلدانيتكم وكلدانيتنا. ونحن جميعا، نعم جميعاً من اشوريين (معتدلين او عنصريين!!) وسريان، مؤسسات وافراد، نخب وناشطين، نكون معكم وندعمكم ونتشارك معكم في استرجاع الكلدان لكلدانيتهم من العروبة والتعريب، وفي استرجاع الكنيسة الكلدانية لهويتها المشرقية من التعريب والتغريب. نعم سيدي.
5- انا لا احاجج سيدنا البطريرك ساكو بموضوعة وحدة شعبنا، بغض النظر عن التسمية.
ليس لاني لا امتلك الحجج؟ مطلقا. بل لان سيدنا ساكو يعرف هذه الحجج اكثر مني ومنكم.
الفارق بين سيدنا وبيننا (أنتم وأنا) هو:
- أننا حريصون على وجود ومستقبل شعبنا ونشعر بالمسؤولية تجاهه لذلك نطرح وندعم عناصر قوته، واولها ان يكون واحدا موحدا بغض النظر عن الاسم الذي يحمله ويعتز به كل منا، كلدانيا كان، أم سرياني، أم آشوريا. شخصيا قلتها وأقولها: سرياني أنا، كلداني أنا، آشوري أنا.
https://etota.net/articles-books/articles/iamsyriac/
- وسيدنا حريص على تحقيق طموحه وهو بان يكون مرجعية للقرار السياسي لشعبنا الكلداني وتمثيله ودوره في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والادارية وغيرها. وتقسيم شعبنا سيفتح الباب لتحقيق هذا الطموح.
كيف؟
بتقسيم شعبنا وعزل الكلدان عن الاشوريين والسريان، فعندها ومع حقيقة افتقار الكلدان لمرجعيات ومؤسسات سياسية وقومية من جهة، والتزامهم الكنسي القوي من جهة أخرى، فانه سيكون مرجعية سياسية وقومية للكلدان بالاضافة لمرجعيته الكنسية البطريركية. دون ان ننسى توظيف البطريرك لعلاقاته الوطنية والخارجية في ذلك، بالاضافة لتلويحه المستمر بالبعبع الاشوري (النفر القليل مقابل الاكثرية المطلقة من الاشوريين) والتهديد الذي يشكله على الكلدان. فالمقولة العربية المشهورة: “لا صوت يعلوعلى صوت المعركة” ما زالت نافذة الصلاحية.
وبعكس ذلك، فمع بقاء شعبنا موحدا، وتعامل المؤسسات والقوى السياسية العراقية مع الكلدان والسريان والاشوريين على انهم شعب واحد، سيصعب (إن لم ينه) فرص البطريرك في تحقيق طموحه في التحول الى مرجعية سياسية بالاضافة لمرجعيته الكنسية.
لماذا؟
لان الشعب الموحد عنده مرجعيات وأحزاب سياسية لها تاريخها وحضورها وعلاقاتها بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف معها، فذلك امر طبيعي لا غبار عليه ولا ينتقص من المرجعية السياسية لهذه الاحزاب.
يضاف الى ذلك امرا وحقيقة مهمة، ألا وهي ان البطريركية الاشورية تخلت ومنذ عقود طويلة عن دورها ومرجعيتها السياسية لشعبنا، وأقرت طواعية ودعمت ان يكون للشعب مرجعياته السياسية خارج العباءة الكهنوتية، وبذلك ستكون حينها محاولات البطريرك ساكو بمثابة اعادة التاريخ الى الوراء وهذا لن يكون مقبولا في الشعب الموحد.
6- وأزيد من الشعر بيتاً.
ليس بنا ساذج ليصدق اننا نعرف ما لا يعرفه غبطة ابينا البطريرك الجليل عن حقيقة كوننا شعب واحد. كما انه ليس بنا من يصدق ان يقول السياسيون بلسانهم كل ما يعرفونه في عقولهم. فالسياسيين يمارسون التقية، وبكلمات اوضح يمارسون التضليل. وساستنا في العراق وساسة شعبنا ليسوا استثناء.
فلا احد منا يصدق ان البطريرك ساكو يؤمن حقا أن عوائل اومرا (قرية البطريرك) وعوائل الناصرية هم شعب وقومية واحدة، بينما عوائل اومرا وعوائل تياري او برور أو صبنا شعبان وقوميتان مختلفتان.
ولا احد منا يصدق ان البطريرك ساكو مؤمن حقا بان عوائل بيت ابونا قوجانوس آشوريون، وبيت أبونا القوش كلدان!!! فإما جميعهم اشوريون، او جميعهم كلدان، او ان الكلدان والاشوريون تسميتان لشعب واحد وليس كما “يؤمن” البطريرك انهما شعبان حالهما مع بعض هو كحالة العرب والاكراد.
لذلك يكفي هنا ان اعيد السؤال الذي انا بانتظار إجابته منذ سنين: سيدي البطريرك، لماذا كهنتكم كلدانا وانا لست. ولماذا انا اشوري وكهنتكم ليسوا.
أكرر، ان غبطته هو خير من يعرف، اكثر مني ومنكم، اننا شعب واحد. وبذلك اتمنى على الجميع ان لا يقعوا في الفخ فيناقشوا طروحات غبطته، فهو اساسا يطرحها لاثارة السوشيال ميديا وجعلها قضية تساهم في تصويره بانه البطل الكلداني الذي يقف في وجه العنصريين الاشوريين.
مرة أخرى اكرر القول ان غبطته يستشهد بنفر عنصري من الاشوريين ولا يشير الى الاغلبية الاشورية المطلقة التي ليس فقط تحترم وتعتز بالكلدان بل وهي ترفض وتقاتل ضد العنصريين آشوريين كانوا ام كلدان.
التساؤل الآخر هو انه في الوقت الذي يكرر غبطته ان الكلدان هم 80% من مسيحي العراق، وفي لقاء سابق له في باريس عام 2016 قال ان الاشوريين هم أقل من 5 الاف مقابل أكثر من 300 الف كلداني، فاذن ما الذي يخيفكم سيدنا منهم؟
حقيقة الأمر هي ان الاغلبية المطلقة من الكلدان، كما الأغلبية المطلقة من الآشوريين والسريان يؤمنون وملتزمون اننا شعب واحد. وهذه هي الأكثرية وهذا هو التزام هذه الاكثرية الذي يقلق غبطته.
ولا يفوتنا أن نذكر هنا، ولو بشكل عابر كونه معروف وسهل الاستنتاج لكل من يتابع لقاءات او تصريحات غبطته (وآخرها في باريس) انه يخلط القومي بالديني، والمذهبي أيضا.
أقتبس حرفيا من صفحة البطريركية وفي تقريرها عن ندوة باريس:
“قومياً: نحن كلدان وجذورنا موغِلة بالقِدم. وانتم يسمونكم الفرنسيون باعجاب: Les chrétiens de France” انتهى الاقتباس (chrétiens تعني مسيحيون بالفرنسية)
7- كنت اتمنى على غبطته ان يقوم برنامجه الانتخابي على امور اخرى مهمة لشعبنا ووجوده في الوطن.
فليس من عائلة او فرد هاجر وترك الوطن بسبب اشكالية التسمية.
ولكنهم هاجروا بسبب التمييز او الاقصاء او التهميش في التشريعات والادارات والفضاءات المفتوحة ومناهج التربية والتعليم وفي الاعلام او بسبب الوضع الاقتصادي وغيرها من الامور والقضايا التي كنا نتمنى ان تكون محور برنامج البطريرك الانتخابي على المستوى الوطني.
وعلى المستوى الكلداني كنت أتمنى ان يكون استرجاع هيبة الكنيسة الكلدانية وموقعها البطريركي بين ابناءها وفي الفضاء العراقي المؤسساتي والشعبي هو اولوية سيدنا.
8- الصفة الأخرى التي ترد دوما في التصريحات الكثيرة والحملات الانتخابية لغبطته هي الشعبوية.
حيث طالما كرر غبطته انه رجل وحدة كنسية وانه طلب توحيد كنيسة المشرق الاشورية والكنيسة الشرقية القديمة والكنيسة الكلدانية. وذهب بعيدا في احداها بالدعوة ان تتحد الكنائس وينتخبوا بطريركا واحدا (أي مستعد انه ربما لن يكون هو).
سيدي، انتم تعلمون وانا اعلم والجميع يعلم أن غبطتكم ليس لكم سلطة قرار الكنيسة الكلدانية إلا في امور هنا او هناك. جميعنا نعلم ان قرارا مثل هذا لستم انتم، ولا السينودس الكلداني مجتمعا، من يستطيع اتخاذه بل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بشخص قداسة البابا. ولا داعي، لتفادي الاطالة، ان نورد أمثلة اخرى على محدودية سلطة البطريرك الكلداني على كنيسته بالمقارنة مع السلطات البطريركية للكنائس المشرقية غير الكاثوليكية.
اتمنى عليكم تفادي الشعبوية فتلك ليست من صفات النخبة التي نتمنى ان تكونوا منها.
واخيرا،
أتمنى عليكم مراجعة اداءكم الاعلامي، شكلا ومضمونا، والتقشف في ظهوراتكم وتصريحاتكم الاعلامية ومراجعتها قبل اصدارها بما يساهم تدريجيا، ولكم طول العمر انشاء الله، في استرجاع الهيبة البطريركية التي تآكلت وتراجعت كثيرا.
واتمنى عليكم التركيز على ترميم اوضاع الكنيسة الكلدانية ومعالجة ما أصابها في عهدكم من اضرار عليها بين اكليروسها وابناءها والعراق الرسمي والشعبي ايضا.
ليست الكنيسة الكلدانية وحدها التي تتالم بسبب ذلك، بل وكل الكنائس العراقية وجميع المسيحيين العراقيين.
أرحموهم رحمكم الرب.
لا تزعل مني سيدنا، فانا اكتب من محبتي لكم، ومحبتي لكنائسنا وشعبنا وعراقنا.
صلوا لأجلي
الخوري عمانوئيل يوخنا
نوهدرا، 6 حزيران 2025