انفصام الشخصية الجمعية
جميعنا نعرف مرض انفصام الشخصية (الشيزوفرينيا) الذي يصيب الاشخاص، ونعرف ان هناك حظوظا من المعالجة له.
ولكن ما هي فرص معالجة انفصام الشخصية الجمعية لمؤسسات سياسية وقواعدها، بما يعنيه ذلك من انفصام شخصية مجموعة بشرية، وهذا ما اقصده بانفصام الشخصية الجمعية.
هل هناك في شعبنا هكذا حالة؟ وما هي نتائجها؟ وهل هناك فرصة لمعالجتها؟
يقينا وبالدلائل التراكمية الشبه اليومية ومنذ اكثر من عقدين هناك حالة انفصام شخصية في مؤسسات شعبنا السياسية (الاحزاب والمؤسسات التابعة لها) وجمهورها من اعضاء ومساندين.
يضيق المجال هنا لاستعراض هذه الدلائل، ولكن، ومع انتخابات اقليم كوردستان، ساتطرق لمثال وشاهد حي عليها:
في الاثنين 30 تموز 2018 خرجت ثلاث من احزاب شعبنا (الزوعا، ابناء النهرين، الاترانايى) بمظاهرة سلمية، وهذا حق مشروع بالمطلق، امام مقر اعلى مؤسسة دستورية تشريعية في الاقليم، وهي برلمان اقليم كوردستان، مطالبة منها، وبحكم كونها السلطة التشريعية العليا، بتعديل قانون الانتخابات بما راه المتظاهرون حقا وعدلا، وهذا ايضا من حقهم، فلكل شخص او مؤسسة حق الراي والفكر والمطالبة بما يراه حق وعدل قد يتفق معه هذا او ذاك او قد يختلف معه هذا او ذاك. فما يراه احدنا حق وعدل يراه احد غيرنا خلاف ذلك، وهذه سنة الحياة، بل ومن اهم عوامل تطورها.
واعلن المتظاهرون من على مكبرات الصوت ومايكروفونات القنوات الاعلامية مذكرة مطالبهم، وسلموها تحريريا الى البرلمان، وهذا ايضا حق وظاهرة متمدنة محسوبة للطرفين: المتظاهرون والبرلمان.
طبعا بمجرد التظاهر امام البرلمان وتقديم المذكرة له هو اعتراف وشهادة من المتظاهرين بالبرلمان ومرجعيته التشريعية وكونه احدى المؤسسات الدستورية السيادية في الاقليم.
ولكن فات (لا اعتقد دون علم بل بعلم وقرار و”وعي”) ان يرفع المتظاهرون ولو علم واحد، اكرر ولو علم واحد، للاقليم بما يمثله من رمز سيادي كما هو البرلمان الذي توجه اليه المتظاهرون للمطالبة بما يرونه حق وعدل.
تعمد المتظاهرون عدم رفع علم واحد للاقليم وسط العشرات من العلم القومي الاشوري العابر للحدود والذي، الى اليوم، ليس علما لمؤسسة دستورية سيادية تشريعية او تنفيذية يعيش تحت سلطتها شعبنا في اية بقعة او وطن نتواجد ونعيش فيه.
طبعا رفع العلم القومي حق، والاعتزاز به حق بل وواجب. وشخصيا افتخر به واضعه في بيتي وفي مكاتبي الخاصة.
اليس هذا انفصام في الشخصية الجمعية ان تتظاهر امام مؤسسة سيادية وتطالبها وتقدم لها مذكرة مطالبك ولكنك تستنكف وتتعمد عدم رفع علم ورمز سيادية تلك المؤسسة؟
عندما يتظاهر المهجر الاشوري لمطالبات تتعلق باوضاع شعبنا في الوطن فانهم يرفعون علم الدولة التي يتظاهرون فيها (اميركا، كندا، استراليا، السويد، وغيرها) مع العلم القومي الاشوري، ولكنهم يستنكفون رفع علم الاقليم عندما يتظاهرون في الاقليم وامام مؤسسته التشريعية، وفي ذات الوقت يمارسون كل حياتهم اليومية (بضمنها الاستحقاقات والامتيازات الفردية والمؤسساتية (حزبية، ثقافية، اجتماعية، وغيرها)) ضمن مؤسسات الاقليم وتحت رموزه السيادية واحدها العلم المعتمد من كل مؤسسات الاقليم التشريعية والتنفيذية والمجتمعية، مثلما تضعه في مكاتبها الرسمية القنصليات الدبلوماسية في الاقليم وبينها التي يزورها احزابنا ويلتقطوا الصور في هذه المقرات الدبلوماسية وفي خلفية الصورة علم دولة القنصلية والعلم العراقي وعلم الاقليم.
(للمعلوماتية (اظنها معروفة للجميع) ان الاحزاب الفوبيوية لشعبنا، كما كل الاحزاب الكردستانية، بقيت الى ما قبل الازمة المالية تستلم منحا شهرية من حكومة اقليم كوردستان ولكن احزابنا الفوبيوية لا تضع علم اقليم كوردستان في مكاتبها بل تكتفي بالعلم العراقي (بما يتضمنه من رموز اسلامية وعروبية غير وطنية) والعلم القومي وعلم كل حزب.)
ويستمر الانفصام ليصل حده الاقصى عندما نجد ان السيد توني جونسن الذي قرا مذكرة المطالب في المظاهرة يترشح على قائمة الرافدين بامل وطموح فردي ومؤسساتي مشروع للدخول تحت قبة نفس البرلمان وليؤدي القسم تحت العلم الكوردستاني الذي استنكف رفعه، وليستلم امتيازاته المادية والمعنوية من المؤسسات الكوردستانية المعنية وتحت ذات العلم.
بالاضافة الى السيد جونسن، شارك في المظاهرة ايضا السيد فريد يعقوب لنجد لاحقا انه التسلسل الاول في قائمة الرافدين الانتخابية، ومن المحتمل جدا (ولكني لست متاكدا) ان هناك مشاركين اخرين في المظاهرة ترشحوا في القوائم الانتخابية المتنافسة سواء ممن بقيوا في المنافسة او ممن انسحبوا لاحقا.
بديهي ان نتائج الانفصام الجمعي بالغة التاثير السلبي والخطورة على شعبنا ووجوده ومستقبله في الاقليم ويضيق المجال للحديث عنها هنا.
لذلك اتمنى وادعو من كل عقلي وقلبي الى معالجة انفصام الشخصية الجمعي، وبدايتها هي التحرر من الفوبيا.
اكرر وسابقى اكرر: الفوبيا والشراكة نقيضان لا يلتقيان.
من حقنا بل وواجبنا ان ننتقد ونطالب بتصحيح اداء الاخر بما يعزز الشراكة، ووسائل ذلك متعددة ولكن بالتاكيد الفوبيا ليست احداها.
اهم وسيلة هي الشعور بالانتماء الى الوطن شعبا وارضا ومؤسسات، والتحرر من الارتهان للمهجر وغرائزه ونضاله الكومبيوتري.
اتمنى على الفوبيويين والمصابين بانفصام الشخصية ان يدركوا ويتداركوا ما سببوه من نتائج كارثية على شعبنا وفرصه ومستقبله في الوطن، هذا بافتراض انهم يمتلكون الشجاعة لذلك، وبافتراض انه بقي لنا فرصة مستقبلية ولو ضئيلة.
الخوري عمانوئيل يوخنا
نوهدرا 29 ايلول 2018