نحو حركة تصحيحية للانقلاب الدموي
برنامج عمل لوقف المجزرة
22 حرفا + 7 حركات + 3 أشهر
إسم المجزرة: إبادة ܐܒܓܕ ܗܘܙ الابجد هوز
سبب المجزرة: انقلاب
محل وقوع المجزرة: الكنائس، المؤسسات، البيوت العائلية في الوطن والمهجر
القائمون بالمجزرة: الكنائس المشرقية الرسولية، المؤسسات القومية، أولياء الأمور
بداية المجزرة: أقل من قرن
التاريخ المتوقع لنهايتها: يوم يقتل آخر حرف سرياني وتصمت آخر حركة سريانية
نتائج المجزرة:
- إبادة 2000 عام من تراث ومكتبة غنية لاباء وملافنة ومدارس اللغة السريانية
- قطع الشعب عن جذوره
- تشويه هوية الشعب الثقافية واللغوية
- تعريب وتغريب الشعب
أعلاه هو التوصيف المختصر للعملية المستمرة والمتوسعة بين الشعب الآشوري في تهديم احد اركان الوجود والهوية القومية الا وهو اللغة الأم، السريانية (الكلاسيكية) والسورث المعاصرة (البعض يسميها الاشورية المعاصرة والاخر الكلدانية. شخصيا اعتمدت السورث لانها التسمية الدارجة والسائدة والمقبولة ناهيك عن كونها تسمية تاريخية موروثة).
خلفية مختصرة
منذ اهتداء الاشوريين الى المسيحية في قرونها الأولى وعلى يد تلاميذ ورسل الرب الاوائل، وفي مقدمتهم توما الرسول ومار أدي ومار ماري، وهذا الشعب ينتج مكتبة غنية تراكمت عبر القرون لتضم الافا مؤلفة من الكتابات باللغة السريانية ومخطوطة بالفباءها الجميلة.
كتابات تنوعت حقولها من لاهوت وأدب وفلسفة وتفاسير وتاريخ وقواعد وقواميس والى كل ما قد يخطر على بالكم من مواضيع، حتى ان ابن العبري، وهو موسوعة زمانه، وضع كتاب نكات لزرع الابتسامة على وجوه قراءه.
لم يقتصر الأمر على التاليف، بل شمل الترجمة ايضا. فالسريانية كانت الجسر بين الشرق والغرب حيث ترجمت اليها كتابات الفلاسفة اليونان، ومنها للعربية. واذا كان العرب ومؤسساتهم ودولهم ناكري جميل السريانية حيث لم يقدموا ما يتوجب لحمايتها ورعايتها، فان التاريخ والجامعات العالمية، بل والعديد من الكتاب العرب، يشهدون على ذلك.
مثلما انتشرت المدارس والجامعات التي اسستها الكنائس المشرقية (وتحديدا كنيسة المشرق التي باتت تعرف اليوم بالاشورية، الكنيسة السريانية الارثوذكسية فهما الكنيستين الأم) على امتداد بيت نهرين.
لا اجد حاجة للتوسع في هذه النقطة كونها معروفة والمصادر عنها متاحة، ولكني اوردتها فقط كمدخل بسيط ومختصر لا بد منه للموضوع.
ومع توافر المطابع من جهة ونشاط الارساليات “التبشيرية” من جهة اخرى، وبخاصة في اورميا بشمال ايران، توسعت هذه المكتبة لتضاف اليها رفوف نامية ومتوسعة من الكتابات بالسورث. وهذا لا يعني ان الكتابة بالسورث بدأت مع هذه الارساليات او انطلقت واقتصرت في اورميا. الكتابة والتاليف بالسورث كان موجودا قبل الارساليات والمطابع ولو بنطاق محدود، وهذا ليس موضوعنا.
من هنا فان الحرف السرياني كان السائد، بل والوحيد احيانا، في الجغرافيا الكنسية في بيت نهرين فارس والاناضول والعراق وسوريا ولبنان.
ومع حقيقة التحول التراكمي للكثير من ابناء هذه الكنائس، وبخاصة في المدن الكبرى كالموصل وبغداد وغيرها، الى العربية كلغة أم لهم لاسباب مختلفة، وبالتالي الحاجة الى التعليم الكنسي لهم بالعربية، بالاضافة الى المؤلفات والكتابات والنصوص الكنسية التي وضعت اساسا بالعربية، ناهيك عن عدم توافر المدارس التي تعلم الالفباء العربية حينها فقد اعتمد الحرف السرياني لكتابة النصوص العربية وهو ما سمي بالكرشوني وبقي ذلك قائما في طبع العديد من الكتب الطقسية للكنائس الكلدانية والسريانية والمارونية الى تاريخ قريب حين انتشرت العربية وتراجعت السريانية بين اكليروس الكنيسة لاسباب مختلفة في مقدمتها اهمال اباء الكنيسة.
الأنقلاب الدموي الكبير
ابتلي شرقنا بالانقلابات التي غالبا ما تكون دموية وترتكب فيها المجازر بحق من يتم الانقلاب عليه لاستئصاله ومحوه من الذاكرة أو تشويهه في أحسن الأحوال.
وشعبنا ليس استثناء في القيام بالانقلاب ولكن ضمن امكاناته، فهو بالتاكيد ليس قادرا للانقلاب على الحكومات ولكنه كان قادرا للانقلاب على نفسه وهويته وتاريخه عبر الانقلاب على لغته حيث بات اليوم الحرف العربي معتمدا لكتابة النصوص السريانية.
من هنا اسميه انقلابا.
ولانه ابادة لتاريخ ومكتبة وهوية فقد وصفته بالدموي.
وكما في عموم انقلابات الشرق الاوسط فان القائمين بالانقلابات هم من الجنرالات واصحاب المواقع والالقاب العسكرية العليا والنياشين الجميلة، فان انقلابنا ايضا تم بقيادة ورعاية المرجعيات الكنسية العليا، اما الكهنة ومعلمي التعليم المسيحي وفرق الانشاد الكنسية فهم ضباط الصف والجنود الذين لا يمكن ان يقرروا دون موافقة مرجعيتهم التنظيمية.
وكما في انقلابات الشرق حيث ما ان يحدث انقلاب في احدى دوله حتى يفتح شهية اخرون في دولة مجاورة للقيام بانقلاب مماثل، فان الانقلابات توالت في كنائسنا واخرها كان في كنيسة المشرق بشقيها: الاشورية والقديمة.
وايضا، فانه كما في انقلابات الشرق حيث تتوسع جوقات المهللين والمتماهين مع المنقلبين، فانه في انقلابات شعبنا توسع المشاركون والمتماهون لتشمل الادباء والشعراء حيث باتوا يكتبون وينشرون نتاجاتهم بلغة الضاد لتقرا بلغة الابجد هوز، وكذلك المطربون وغيرهم.
والحبل على الجرار..
شرعنة الانقلاب
وهنا ايضا، كما في انقلابات الشرق فان احكام الاعدام توقع وتصادق عليها سلطات الانقلاب، فانه في انقلابنا أيضا يقوم رؤساء الكنائس والابرشيات من بطاركة ورؤساء اساقفة واساقفة بختم ومباركة احكام الاعدام والمصادقة عليها عبر المصادقة على طبع ونشر واستخدام الكتب والنصوص التي تستخدم العربية لقراءة النص السرياني وباتوا يسمونه الكرشوني.
قبل مائة عام كان الكرشوني يعني ان نكتب العربية بحرف سرياني، اما اليوم فهو بالعكس حيث نكتب النص السرياني بالحرف العربي. طبعا مساحة الانقلاب تشمل جغرافيا المهجر أيضا حيث هناك “كرشوني” آخر وهو كتابة النصوص السريانية بالحرف اللاتيني. وا ويلاه.. وا ابجداه.
اتحفظ على نشر صور لهكذا مصادقات على احكام الاعدام لكي لا يفهم منها انها موجهة الى كنيسة او ابرشية دون غيرها، فالانقلابات ونتائجها تشمل كل الكنائس (وتقريبا كل الابرشيات) دون استثناء.
والمضحك المبكي في المهجر ان يقوم البعض بالكتابة بالحرف العربي وهو حرف لا تعرفه الاجيال المهجرية.
وضمن الشرعنة ايضا فان سلطة الانقلاب لا تخفي بل تعبر علنا عن فرحتها بالانقلاب وتحررها من “النظام السابق” وموروثه.
ألم يقلها علنا ومن على المنبر غبطة أبينا البطريرك ساكو بانه غير سعيد بالسورث. واذا كانت حالة أبينا البطريرك ساكو نادرة حيث ليس الجميع يطلق الكلام على عواهنه، ولكن وبصورة عامة فانهم سعداء بنتائج الانقلاب ويشرعنوه، فمثلا هم يبدون السعادة بتوسع اعداد فرق الانشاد الكنسية وهم في غالبيتهم لا يقرأون تراتيلهم بالحرف السرياني بل بـ”الكرشوني”.
في المقابل وللامانة اقول اني فخور بقداسة ابينا البطريرك أغناطيوس افرام كريم، بطريرك الكنيسة السريانية الارثوذكسية، حيث القى كلمة تنصيبه في صيدنايا بالسريانية الكلاسيكية اولا والحقها بالسريانية الدارجة (طورويو) ثم العربية واخيرا بالانكليزية.
طبعا هذا لا يبرئ الكنيسة السريانية من تهمة الانقلاب.
نتائج الانقلاب
نتائج الانقلاب واسعة في مدياتها وكارثية في تاثيراتها. أدناه بعضها:
- ختم مكتبة الفي عام بالشمع الأحمر حتى ان دخولها واستعارة كتبها والاطلاع عليها وقراءتها ودراستها ستقتصر على نخبة محدودة يتقلص عددها مع الاجيال كما هو الحال مع اللاتينية (مع الفوارق).
- تنشئة اجيال من الاكليروس والمؤمنين يجهلون ايمانهم وعقيدتهم مثلما يحرمون من التمتع بجمال وعذوبة اداب لغتهم.
- تنشئة جيل من الاكليروس أمي الكتابة بلغته حيث تقتصر كتابته بلغته على اسماء الراحلين الذين يقيم لهم القداس يوم الاحد من كل اسبوع. بلغة الارقام فان عدد الكلمات التي يكتبها عموم الكهنة بالسريانية لا تتجاوز 20-30 كلمة أسبوعيا هي جميعها اسماء شخصية (الاسم واسم الاب) للمتوفين ممن يقام القداس على ارواحهم. وحتى هنا تكون مصدوما باخطاء الاملاء التي لا يمكن التسامح معها وتفسيرها الا بالأمية وجهل اللغة، حيث تجد اسم عوديشو او خوشابا مكتوبا (ܥܘܕܝܫܘ، ܚܘܫܒܐ) بدل (ܥܒ̣ܕܝܫܘܥ، ܚܕܒܫܒܐ)، واسم بريخا مكتوب (ܒܪܝܚܐ) بدل (ܒܪܝܟ̣ܐ) وغيرها رغم ان هذه الكلمات والاسماء ومشتقاتها ترد وبكثرة في النصوص الطقسية.
- انتزاع الفخر والكبرياء الهوياتي الثقافي بعطاء هذه اللغة واباءها من عمالقة الفكر وقامات الادب من افرام والسروجي ونرساي وابن العبري والصوباوي وكيوركيس وردة (لُقِبَ بالوردة لجمال اشعاره) وغيرهم المئات. فكيف يمكن ان تفتخر بما تجهله.
- اسقاط احد أهم عناصر الهوية القومية والثقافية للشعب.
- تحويل السريانية الى لغة يتيمة لا شعب لها.
- انتاج نصوص تستحيل قراءتها بلفظ صحيح، وهو امر طبيعي فالخصائص والعديد من اللفظ والاصوات في السريانية ليست موجودة في العربية. بالله عليكم كيف يمكن كتابة الزلاما في الحرف العربي ليقرأ ويلفظ سليما.
- بل واحيانا فان تلفظها الخاطئ ينتج كلمات غير لائقة مطلقا.
- وغيرها الكثير من النتائج الكارثية التي يمكن اختصارها بانها مجزرة مكتملة الاوصاف.
(ملاحظة: احدى مشاكل القائمين بالانقلاب هو انهم قادرون على قراءة ولفظ النص “الكرشوني” بالحرف العربي او اللاتيني ليس بسبب سلامة المكتوب بل لانهم يقرأون من ذاكرتهم حيث هم يحفظون هذه النصوص بسبب كثرة الاستخدام، فهم لا يقراون بحسب ما ترى عيونهم بل يقرأون عن ظهر قلب. اما المؤمنون ولانهم لا يحفظون النصوص فانهم يقرأون ما ترى عيونهم فيحصل العجب العجاب.
مثلا: كيف يمكن ان تكتب بالحرف العربي هذا النص: (ܐܸܢܵܐ ܐ݇ܢܵܐ ܠܲܚܡܵܐ ܕܢܸܚܬܹܬ̣ ܡ̣ܢ ܪܵܘܡܵܐ)
او هذا النص من توركاما عيد الميلاد: (ܟܠܵܗ݁ ܬܹܒܹܝܠ ܗܘܵܬ̤ ܡܲܟ̣ܪܙܵܐ ܒܙܵܘܥܵܐ ܘܕܸܚܠܵܐ: ܕܗ݁ܘ ܕܐܸܬ̣ܝܼܠܸܕ ܡܚܲܪܲܪ ܥܵܠܡܹ̈ܐ ܘܥܵܛܹܐ ܥܵܘܠܵܐ) ليقرأها من ليس حافظها قراءة سليمة، بل وكيف يرتلها.
وجدت في احد الكتب المعتمدة هذا النص السرياني (ܐܹܝܢ ܡܵܪܲܢ ܘܐܲܠܵܗܲܢ: ܒܵܥܹܝܢܲܢ ܡܸܢܵܟ̣ ܘܡܸܬ̣ܟܲܫܦܝܼܢܲܢ ܠܲܡܪܲܚܡܵܢܘܼܬ̣ܵܐ ܕܛܲܝܒܘܼܬ̣ܵܟ̣) مكتوب بالكرشوني (إين مارن وألاهن باعينن منّاخ ومثكشپـينن لمرخمانوثا دطيبوثاخ). بالله عليكم هل يمكن قراءة الكرشوني قراءة سليمة لحركات الزلاما والرواصا.
في موقع آخر وجدت (ܐܹܝܢ ܡܵܪܝܵܐ) مكتوبة (إين ماريا) ليقرأها معظم المؤمنين بانها سؤال عن أين هي السيدة ماريا، وغيرها الكثير الكثير.
هل من معالجة:
في مقابل الانقلاب يمكن القيام بما يسمونه في الشرق بـ”حركة تصحيحية” لتقويم وتصحيح مسار الانقلاب ومعالجة نتائجه. وهي حركة قابلة للتحقيق وتنفيذها هو ابسط بكثير من تعليم القراءة بالـ”كرشوني” بحرفيه العربي واللاتيني.
فبرنامج الحركة التصحيحية لا يتطلب اكثر من ثلاثة اشهر من الزمن يتم خلاله تعليم 22 حرفا و7 حركات في السريانية الشرقية و5 في الغربية هي حروف وحركات السريانية.
ومع التكنولوجيا الحديثة ودخول الحرف السرياني في برامجيات الكمبيوتر من جهة، واتساع وتنوع وسائل التواصل بشكل يتيح التعلم والتعليم وتنظيم الصفوف والدورات عن بعد فان الأمر هو أهون من الهين، وابسط من البسيط.
المفقود المطلوب هو قرار سلطات الانقلاب بان يقوموا بالحركة التصحيحية لانقلابهم.
وهنا ايضا فان الشيء بالشيء يذكر. كم يستحقون الاحترام، وكم كانت ارادتهم قوية، وكم كان عشقهم والتزامهم للغتهم كبيرا، تلك الاجيال التي كانت تفتقد هذه التكنولوجيا، بل وتفتقد الكتب المطبوعة والواح السبورات فكانوا يتجمعون بشكل دائري على كتاب واحد حتى ان بعضهم (وانا شاهد) بات لا يعرف قراءة النصوص الا بوضع الكتاب مقلوبا. أين بعضنا من هؤلاء؟
- المطلوب من سلطات الانقلاب، اذا كانت فعلا تؤمن بما تقول بانها أمينة وتفتخر بتراثها ومكتبتها، ان تصدر اولا حكما باعدام هذه النصوص الكرشونية وتعيد للحرف السرياني حضوره عوض احكام الاعدام الحالية التي تبيد هذا الحرف الجميل والأصيل.
- ومع هذه الخطوة يتم اطلاق برنامج عمل واسع يتوجه اولا الى الاكليروس لتعلم السريانية قراءة وكتابة وفهما. وسائل ذلك متاحة وغير مكلفة بل ومعظمها متاح بالمجان، وهناك الكثير من الكادر التعليمي الغيور على لغته وهويته ليساهم في هكذا برنامج.
- واشتراط معرفة السريانية، قراءة وكتابة وفهما، شرطا أساسيا للرسامات الكنسية.
سؤالي هو الى جميع سلطات الانقلاب: هل من مستجيب بينكم؟
الخوري عمانوئيل يوخنا
نوهدرا 12 تشرين الأول 2024
ܡܪܝܐ ܢܵܛܲܪ ܠܟ ܐܒܘܢ ܟܘܪܝܐ ܠܗܕ ܒܥܘ̈ܬܐ ܐܠܨܝܬ̈ܐ